موقع شبكة الاسلام
71

سورة سُورَةُ نُوحٍ

مكية - 28 آيات

تفسير: الجامع لأحكام القرآن

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِۦٓ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌۭ ﴿1﴾

التفسير:

سورة نوحمكية ، وهي ثمان وعشرون آية .بسم الله الرحمن الرحيمإنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليمقد مضى القول في " الأعراف " أن نوحا عليه السلام أول رسول أرسل . ورواه قتادة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أول رسول أرسل نوح وأرسل إلى جميع أهل الأرض " . فلذلك لما كفروا أغرق الله أهل الأرض جميعا . وهو نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس بن يرد بن مهلايل بن أنوش بن قينان بن شيث بن آدم عليه السلام . قال وهب : كلهم مؤمنون . أرسل إلى قومه وهو ابن خمسين سنة . وقال ابن عباس : ابن أربعين سنة . وقال عبد الله بن شداد : بعث وهو ابن ثلاثمائة وخمسين سنة . وقد مضى في سورة " العنكبوت " القول فيه . والحمد لله .أن أنذر قومك أي بأن أنذر قومك ; فموضع أن نصب بإسقاط الخافض . وقيل : موضعها جر لقوة خدمتها مع " أن " . ويجوز " أن " بمعنى المفسرة فلا يكون لها موضع من الإعراب ; لأن في الإرسال معنى الأمر ، فلا حاجة إلى إضمار الباء . وقراءة عبد الله " أنذر قومك " بغير " أن " بمعنى قلنا له أنذر قومك . وقد تقدم معنى الإنذار في أول " البقرة " .من قبل أن يأتيهم عذاب أليم قال ابن عباس : يعني عذاب النار في الآخرة . وقال الكلبي : هو ما نزل عليهم من الطوفان . وقيل : أي أنذرهم العذاب الأليم على الجملة إن لم يؤمنوا . فكان يدعو قومه وينذرهم فلا يرى منهم مجيبا ; وكانوا يضربونه حتى يغشى عليه فيقول ( رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) . وقد مضى هذا مستوفى في سورة " العنكبوت " والحمد لله .

قَالَ يَٰقَوْمِ إِنِّى لَكُمْ نَذِيرٌۭ مُّبِينٌ ﴿2﴾

التفسير:

قوله تعالى : قال يا قوم إني لكم نذير أي مخوف ." مبين " أي مظهر لكم بلسانكم الذي تعرفونه .

أَنِ ٱعْبُدُوا۟ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ ﴿3﴾

التفسير:

أن اعبدوا الله واتقوه و " أن " المفسرة على ما تقدم في " أن أنذر " . اعبدوا أي وحدوا . واتقوا : خافوا .وأطيعون أي فيما آمركم به ، فإني رسول الله إليكم .

يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰٓ أَجَلٍۢ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لَا يُؤَخَّرُ ۖ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿4﴾

التفسير:

يغفر لكم من ذنوبكم جزم يغفر بجواب الأمر . و " من " صلة زائدة . ومعنى الكلام يغفر لكم ذنوبكم ، قاله السدي . وقيل : لا يصح كونها زائدة ; لأن " من " لا تزاد في الواجب ، وإنما هي هنا للتبعيض ، وهو بعض الذنوب ، وهو ما لا يتعلق بحقوق المخلوقين . وقيل : هي لبيان الجنس . وفيه بعد ، إذ لم يتقدم جنس يليق به . وقال زيد بن أسلم : المعنى يخرجكم من ذنوبكم . ابن شجرة : المعنى يغفر لكم من ذنوبكم ما استغفرتموه منهاويؤخركم إلى أجل مسمى قال ابن عباس : أي ينسئ في أعماركم . ومعناه أن الله تعالى كان قضى قبل خلقهم أنهم إن آمنوا بارك في أعمارهم ، وإن لم يؤمنوا عوجلوا بالعذاب . وقال مقاتل : يؤخركم إلى منتهى آجالكم في عافية ; فلا يعاقبكم بالقحط وغيره . فالمعنى على هذا يؤخركم من العقوبات والشدائد إلى آجالكم . وقال الزجاج أي يؤخركم عن العذاب فتموتوا غير موتة المستأصلين بالعذاب . وعلى هذا قيل : أجل مسمى عندكم تعرفونه ، لا يميتكم غرقا ولا حرقا ولا قتلا ; ذكره الفراء . وعلى القول الأول أجل مسمى عند الله .إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر أي إذا جاء الموت لا يؤخر بعذاب كان أو بغير عذاب . وأضاف الأجل إليه سبحانه لأنه الذي أثبته . وقد يضاف إلى القوم ، كقوله تعالى : فإذا جاء أجلهم لأنه مضروب لهم ." لو " بمعنى إن . أي إن كنتم تعلمون . وقال الحسن : معناه لو كنتم تعلمون لعلمتم أن أجل الله إذا جاءكم لم يؤخر .

قَالَ رَبِّ إِنِّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلًۭا وَنَهَارًۭا ﴿5﴾

التفسير:

أي سرا وجهرا .وقيل : أي واصلت الدعاء .

فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآءِىٓ إِلَّا فِرَارًۭا ﴿6﴾

التفسير:

أي تباعدا من الإيمان .وقراءة العامة بفتح الياء من " دعائي " وأسكنها الكوفيون ويعقوب والدوري عن أبي عمرو .

وَإِنِّى كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوٓا۟ أَصَٰبِعَهُمْ فِىٓ ءَاذَانِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْا۟ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا۟ وَٱسْتَكْبَرُوا۟ ٱسْتِكْبَارًۭا ﴿7﴾

التفسير:

قوله تعالى : وإني كلما دعوتهم أي إلى سبب المغفرة ، وهي الإيمان بك والطاعة لك .جعلوا أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا دعائيواستغشوا ثيابهم أي غطوا بها وجوههم لئلا يروه . وقال ابن عباس : جعلوا ثيابهم على رءوسهم لئلا يسمعوا كلامه . فاستغشاء الثياب إذا زيادة في سد الآذان حتى لا يسمعوا ، أو لتنكيرهم أنفسهم حتى يسكت أو ليعرفوه إعراضهم عنه . وقيل : هو كناية عن العداوة . يقال : لبس لي فلان ثياب العداوة ." وأصروا " أي على الكفر فلم يتوبوا ." واستكبروا " عن قبول الحق ; لأنهم قالوا : أنؤمن لك واتبعك الأرذلون ." استكبارا " تفخيم .

ثُمَّ إِنِّى دَعَوْتُهُمْ جِهَارًۭا ﴿8﴾

التفسير:

قوله تعالى : ثم إني دعوتهم جهارا أي مظهرا لهم الدعوة . وهو منصوب ب " دعوتهم " نصب المصدر ; لأن الدعاء أحد نوعيه الجهار ، فنصب به نصب القرفصاء بقعد ; لكونها أحد أنواع القعود ، أو لأنه أراد ب " دعوتهم " جاهرتهم . ويجوز أن يكون صفة لمصدر دعا ; أي دعاء جهارا ; أي مجاهرا به . ويكون مصدرا في موضع الحال ; أي دعوتهم مجاهرا لهم بالدعوة .

ثُمَّ إِنِّىٓ أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًۭا ﴿9﴾

التفسير:

ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا أي لم أبق مجهودا . وقال مجاهد : معنى أعلنت : صحت ، وأسررت لهم إسرارا . بالدعاء عن بعضهم من بعض . وقيل : أسررت لهم أتيتهم في منازلهم . وكل هذا من نوح عليه السلام مبالغة في الدعاء لهم ، وتلطف في الاستدعاء . وفتح الياء من " إني أعلنت لهم " الحرميون وأبو عمرو . وأسكن الباقون .

فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُوا۟ رَبَّكُمْ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارًۭا ﴿10﴾

التفسير:

قوله تعالى : فقلت استغفروا ربكم أي سلوه المغفرة من ذنوبكم السالفة بإخلاص الإيمان .إنه كان غفارا وهذا منه ترغيب في التوبة . وقد روى حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الاستغفار ممحاة للذنوب . وقال الفضيل : يقول العبد أستغفر الله ; وتفسيرها أقلني .

يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًۭا ﴿11﴾

التفسير:

أي يرسل ماء السماء ; ففيه إضمار .وقيل : السماء المطر ; أي يرسل المطر .قال الشاعر : إذا سقط السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا و " مدرارا " ذا غيث كثير .وجزم " يرسل " جوابا للأمر .وقال مقاتل : لما كذبوا نوحا زمانا طويلا حبس الله عنهم المطر , وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة ; فهلكت مواشيهم وزروعهم , فصاروا إلى نوح عليه السلام واستغاثوا به .فقال " استغفروا ربكم إنه كان غفارا " أي لم يزل كذلك لمن أناب إليه .ثم قال ترغيبا في الإيمان : " يرسل السماء عليكم مدرارا .ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لهم جنات ويجعل لكم أنهارا " .قال قتادة : علم نبي الله صلى الله عليه وسلم أنهم أهل حرص على الدنيا فقال : ( هلموا إلى طاعة الله فإن في طاعة الله درك الدنيا والآخرة ) .

وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَٰلٍۢ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّٰتٍۢ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَٰرًۭا ﴿12﴾

التفسير:

وقد مضى في سورة " آل عمران " كيفية الاستغفار , وإن ذلك يكون عن إخلاص وإقلاع من الذنوب .وهو الأصل في الإجابة .

مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًۭا ﴿13﴾

التفسير:

قوله تعالى : ما لكم لا ترجون لله وقاراقيل : الرجاء هنا بمعنى الخوف ; أي ما لكم لا تخافون لله عظمة وقدرة على أحدكم بالعقوبة . أي أي عذر لكم في ترك الخوف من الله . وقال سعيد بن جبير وأبو العالية وعطاء بن أبي رباح : ما لكم لا ترجون لله ثوابا ولا تخافون له عقابا . وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : ما لكم لا تخشون لله عقابا وترجون منه ثوابا . وقال الوالبي والعوفي عنه : ما لكم لا تعلمون لله عظمة . وقال ابن عباس أيضا ومجاهد : ما لكم لا ترون لله عظمة . وعن مجاهد والضحاك : ما لكم لا تبالون لله عظمة . قال قطرب : هذه لغة حجازية . وهذيل وخزاعة ومضر يقولون : لم أرج : لم أبال . والوقار : العظمة . والتوقير : التعظيم . وقال قتادة : ما لكم لا ترجون لله عاقبة ; كأن المعنى ما لكم لا ترجون لله عاقبة الإيمان . وقال ابن كيسان : ما لكم لا ترجون في عبادة الله وطاعته أن يثيبكم على توقيركم خيرا . وقال ابن زيد : ما لكم لا تؤدون لله طاعة . وقال الحسن : ما لكم لا تعرفون لله حقا ولا تشكرون له نعمة . وقيل : ما لكم لا توحدون الله ; لأن من عظمه فقد وحده . وقيل : إن الوقار الثبات لله عز وجل ; ومنه قوله تعالى : وقرن في بيوتكن أي اثبتن . ومعناه ما لكم لا تثبتون وحدانية الله تعالى وأنه إلهكم لا إله لكم سواه ; قاله ابن بحر . ثم دلهم على ذلك فقال :

وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ﴿14﴾

التفسير:

وقد خلقكم أطوارا أي جعل لكم في أنفسكم آية تدل على توحيده . قال ابن عباس : أطوارا يعني نطفة ثم علقة ثم مضغة ; أي طورا بعد طور إلى تمام الخلق ، كما ذكر في سورة " المؤمنون " . والطور في اللغة : المرة ; أي من فعل هذا وقدر عليه فهو أحق أن تعظموه . وقيل : أطوارا صبيانا ، ثم شبابا ، ثم شيوخا وضعفاء ، ثم أقوياء . وقيل : أطوارا أي أنواعا : صحيحا وسقيما ، وبصيرا وضريرا ، وغنيا وفقيرا . وقيل : إن " أطوارا " اختلافهم في الأخلاق والأفعال .

أَلَمْ تَرَوْا۟ كَيْفَ خَلَقَ ٱللَّهُ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍۢ طِبَاقًۭا ﴿15﴾

التفسير:

قوله تعالى : ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا ذكر لهم دليلا آخر ، أي ألم تعلموا أن الذي قدر على هذا ، فهو الذي يجب أن يعبد . ومعنى " طباقا " بعضها فوق بعض ، كل سماء مطبقة على الأخرى كالقباب ; قاله ابن عباس والسدي . وقال الحسن : خلق الله سبع سموات طباقا على سبع أرضين ، بين كل أرض وأرض ، وسماء وسماء خلق وأمر . وقوله : ألم تروا على جهة الإخبار لا المعاينة ; كما تقول : ألم ترني كيف صنعت بفلان كذا . و " طباقا " نصب على أنه مصدر ; أي مطابقة طباقا . أو حال بمعنى ذات طباق ; فحذف ذات وأقام طباقا مقامه .

وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًۭا وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجًۭا ﴿16﴾

التفسير:

وجعل القمر فيهن نورا أي في سماء الدنيا ; كما يقال : أتاني بنو تميم وأتيت بني تميم والمراد بعضهم ; قاله الأخفش . قال ابن كيسان : إذا كان في إحداهن فهو فيهن . وقال قطرب : فيهن بمعنى معهن ; وقاله الكلبي . أي خلق الشمس والقمر مع خلق السموات والأرض . وقال جلة أهل اللغة في قول امرئ القيس :وهل ينعمن من كان آخر عهده ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال" في " بمعنى مع . النحاس : وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية فقال : جواب النحويين أنه إذا جعله في إحداهن فقد جعله فيهن ; كما تقول : أعطني الثياب المعلمة ، وإن كنت إنما أعلمت أحدها . وجواب آخر أنه يروى أن وجه القمر إلى السماء ، وإذا كان إلى داخلها فهو متصل بالسموات ، ومعنى نورا أي لأهل الأرض ; قاله السدي . وقال عطاء : نورا لأهل السماء والأرض . وقال ابن عباس وابن عمر : وجهه يضيء لأهل الأرض وظهره يضيء لأهل السماء .وجعل الشمس سراجا يعني مصباحا لأهل الأرض ليتوصلوا إلى التصرف لمعايشهم . وفي إضاءتها لأهل السماء القولان الأولان حكاه الماوردي . وحكى القشيري عن ابن عباس أن الشمس وجهها في السموات وقفاها في الأرض . وقيل : على العكس . وقيل لعبد الله بن عمر : ما بال الشمس تقلينا أحيانا وتبرد علينا أحيانا ؟ فقال : إنها في الصيف في السماء الرابعة ، وفي الشتاء في السماء السابعة عند عرش الرحمن ; ولو كانت في السماء الدنيا لما قام لها شيء .

وَٱللَّهُ أَنۢبَتَكُم مِّنَ ٱلْأَرْضِ نَبَاتًۭا ﴿17﴾

التفسير:

يعني آدم عليه السلام خلقه من أديم الأرض كلها ; قاله ابن جريج . وقد مضى في سورة " الأنعام " و " البقرة " بيان ذلك . وقال خالد بن معدان : خلق الإنسان من طين ; فإنما تلين القلوب في الشتاء . و " نباتا " مصدر على غير المصدر ; لأن مصدره أنبت إنباتا ، فجعل الاسم الذي هو النبات في موضع المصدر . وقد مضى بيانه في سورة " آل عمران " وغيرها . وقيل : هو مصدر محمول على المعنى ; لأن معنى : أنبتكم جعلكم تنبتون نباتا ; قاله الخليل والزجاج . وقيل : أي أنبت لكم من الأرض النبات . ف " نباتا " على هذا نصب على المصدر الصريح . والأول أظهر . وقال ابن جريج : أنبتهم في الأرض بالكبر بعد الصغر وبالطول بعد القصر .

ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًۭا ﴿18﴾

التفسير:

ثم يعيدكم فيها أي عند موتكم بالدفن .ويخرجكم إخراجا بالنشور للبعث يوم القيامة .

وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ ٱلْأَرْضَ بِسَاطًۭا ﴿19﴾

التفسير:

أي مبسوطة .

لِّتَسْلُكُوا۟ مِنْهَا سُبُلًۭا فِجَاجًۭا ﴿20﴾

التفسير:

لتسلكوا منها سبلا فجاجا السبل : الطرق . والفجاج جمع فج ، وهو الطريق الواسعة ; قاله الفراء . وقيل : الفج المسلك بين الجبلين . وقد مضى في سورة " الأنبياء " و " الحج " .

قَالَ نُوحٌۭ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِى وَٱتَّبَعُوا۟ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُۥ وَوَلَدُهُۥٓ إِلَّا خَسَارًۭا ﴿21﴾

التفسير:

قوله تعالى : قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراشكاهم إلى الله تعالى ، وأنهم عصوه ولم يتبعوه فيما أمرهم به من الإيمان . وقال أهل التفسير : لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما داعيا لهم وهم على كفرهم وعصيانهم . قال ابن عباس : رجا نوح عليه السلام الأبناء بعد الآباء ; فيأتي بهم الولد بعد الولد حتى بلغوا سبع قرون ، ثم دعا عليهم بعد الإياس منهم ، وعاش بعد الطوفان ستين عاما حتى كثر الناس وفشوا . قال الحسن : كان قوم نوح يزرعون في الشهر مرتين ; حكاه الماوردي . واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا يعني كبراءهم وأغنياءهم الذين لم يزدهم كفرهم وأموالهم وأولادهم إلا ضلالا في الدنيا وهلاكا في الآخرة . وقرأ أهل المدينة والشام وعاصم : " وولده " بفتح الواو واللام . الباقون " ولده " بضم الواو وسكون اللام وهي لغة في الولد . ويجوز أن يكون جمعا للولد ، كالفلك فإنه واحد وجمع . وقد تقدم .

وَمَكَرُوا۟ مَكْرًۭا كُبَّارًۭا ﴿22﴾

التفسير:

قوله تعالى : ومكروا مكرا كبارا أي كبيرا عظيما . يقال : كبير وكبار وكبار ، مثل عجيب وعجاب وعجاب بمعنى ، ومثله طويل وطوال وطوال . يقال : رجل حسن وحسان ، وجميل وجمال ، وقراء للقارئ ، ووضاء للوضيء . وأنشد ابن السكيت :بيضاء تصطاد القلوب وتستبي بالحسن قلب المسلم القراءوقال آخر :والمرء يلحقه بفتيان الندى خلق الكريم وليس بالوضاءوقال المبرد : كبارا ( بالتشديد ) للمبالغة . وقرأ ابن محيصن وحميد ومجاهد " كبارا " بالتخفيف . واختلف في مكرهم ما هو ؟ فقيل : تحريشهم سفلتهم على قتل نوح . وقيل : هو تعزيرهم الناس بما أوتوا من الدنيا والولد ; حتى قالت الضعفة : لولا أنهم على الحق لما أوتوا هذه النعم . وقال الكلبي : هو ما جعلوه لله من الصاحبة والولد . وقيل : مكرهم كفرهم . وقال مقاتل : هو قول كبرائهم لأتباعهم : لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا .

وَقَالُوا۟ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّۭا وَلَا سُوَاعًۭا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًۭا ﴿23﴾

التفسير:

قوله تعالى : وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسراقال ابن عباس وغيره : هي أصنام وصور ، كان قوم نوح يعبدونها ثم عبدتها العرب . وهذا قول الجمهور . وقيل : إنها للعرب لم يعبدها غيرهم . وكانت أكبر أصنامهم وأعظمها عندهم ; فلذلك خصوها بالذكر بعد قوله تعالى : لا تذرن آلهتكم . ويكون معنى الكلام كما قال قوم نوح لأتباعهم : لا تذرن آلهتكم قالت العرب لأولادهم وقومهم : لا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا ; ثم عاد بالذكر بعد ذلك إلى قوم نوح عليه السلام . وعلى القول الأول ، الكلام كله منسوق في قوم نوح . وقال عروة بن الزبير وغيره : اشتكى آدم عليه السلام وعنده بنوه : ود ، وسواع ، ويغوث ، ويعوق ، ونسر . وكان ود أكبرهم وأبرهم به . قال محمد بن كعب : كان لآدم عليه السلام خمس بنين : ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ; وكانوا عبادا فمات واحد منهم فحزنوا عليه ; فقال الشيطان : أنا أصور لكم مثله إذا نظرتم إليه ذكرتموه . قالوا : افعل فصوره في المسجد من صفر ورصاص . ثم مات آخر ، فصوره حتى ماتوا كلهم فصورهم . وتنقصت الأشياء كما تتنقص اليوم إلى أن تركوا عبادة الله تعالى بعد حين . فقال لهم الشيطان : ما لكم لا تعبدون شيئا ؟ قالوا : وما نعبد ؟ قال : آلهتكم وآلهة آبائكم ، ألا ترون في مصلاكم . فعبدوها من دون الله ; حتى بعث الله نوحا فقالوا : لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا الآية . وقال محمد بن كعب أيضا ومحمد بن قيس : بل كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح ، وكان لهم تبع يقتدون بهم ، فلما ماتوا زين لهم إبليس أن يصوروا صورهم ليتذكروا بها اجتهادهم ، وليتسلوا بالنظر إليها ; فصورهم . فلما ماتوا هم وجاء آخرون قالوا : ليت شعرنا هذه الصور ما كان آباؤنا يصنعون بها ؟ فجاءهم الشيطان فقال : كان آباؤكم يعبدونها فترحمهم وتسقيهم المطر . فعبدوها فابتدئ عبادة الأوثان من ذلك الوقت .قلت : وبهذا المعنى فسر ما جاء في صحيح مسلم من حديث عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة تسمى مارية ، فيها تصاوير ، لرسول الله صلى الله عليه وسلم ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور ، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة " . وذكر الثعلبي عن ابن عباس قال : هذه الأصنام أسماء رجال صالحين من قوم نوح ; فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا في مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم تذكروهم بها ; ففعلوا ، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت من دون الله . وذكر أيضا عن ابن عباس أن نوحا عليه السلام ، كان يحرس جسد آدم عليه السلام على جبل بالهند ، فيمنع الكافرين أن يطوفوا بقبره ; فقال لهم الشيطان : إن هؤلاء يفخرون عليكم ويزعمون أنهم بنو آدم دونكم ، وإنما هو جسد ، وأنا أصور لكم مثله تطوفون به ; فصور لهم هذه الأصنام الخمسة وحملهم على عبادتها . فلما كان أيام الطوفان دفنها الطين والتراب والماء ; فلم تزل مدفونة حتى أخرجها الشيطان لمشركي العرب . قال الماوردي : فأما ود فهو أول صنم معبود ، سمي ودا لودهم له ; وكان بعد قوم نوح لكلب بدومة الجندل ; في قول ابن عباس وعطاء ومقاتل . وفيه يقول شاعرهم :حياك ود فإنا لا يحل لنا لهو النساء وإن الدين قد عزماوأما سواع فكان لهذيل بساحل البحر ; في قولهم .وأما يغوث فكان لغطيف من مراد بالجوف من سبأ ; في قول قتادة . وقال المهدوي : لمراد ثم لغطفان . الثعلبي : وأخذت أعلى وأنعم - وهما من طيئ - وأهل جرش من مذحج يغوث فذهبوا به إلى مراد فعبدوه زمانا . ثم إن بني ناجية أرادوا نزعه من أعلى وأنعم ، ففروا به إلى الحصين أخي بني الحارث بن كعب من خزاعة . وقال أبو عثمان النهدي : رأيت يغوث وكان من رصاص ، وكانوا يحملونه على جمل أحرد ، ويسيرون معه ولا يهيجونه حتى يكون هو الذي يبرك ، فإذا برك نزلوا وقالوا : قد رضي لكم المنزل ; فيضربون عليه بناء ينزلون حوله .وأما يعوق فكان لهمدان ببلخع ; في قول عكرمة وقتادة وعطاء ، ذكره الماوردي . وقال الثعلبي : وأما يعوق فكان لكهلان من سبأ ، ثم توارثه بنوه ; الأكبر فالأكبر حتى صار إلى همدان . وفيه يقول مالك بن نمط الهمداني :يريش الله في الدنيا ويبري ولا يبري يعوق ولا يريشوأما نسر فكان لذي الكلاع من حمير ; في قول قتادة ، ونحوه عن مقاتل . وقال الواقدي : كان ود على صورة رجل ، وسواع على صورة امرأة ، ويغوث على صورة أسد ، ويعوق على صورة فرس ، ونسر على صورة نسر من الطير ; فالله أعلم . وقرأ نافع " ولا تذرن ودا " بضم الواو . وفتحها الباقون . قال الليث : ود ( بفتح الواو ) صنم كان لقوم نوح . وود ( بالضم ) صنم لقريش ; وبه سمي عمرو بن ود . وفي الصحاح : والود ( بالفتح ) الوتد في لغة أهل نجد ; كأنهم سكنوا التاء وأدغموها في الدال . والود في قول امرئ القيس :تظهر الود إذا ما أشجذت وتواريه إذا ما تعتكرقال ابن دريد : هو اسم جبل : وود صنم كان لقوم نوح عليه السلام ثم صار لكلب وكان بدومة الجندل ; ومنه سموه عبد ود . وقال : لا تذرن آلهتكم ثم قال : ولا تذرن ودا ولا سواعا الآية . خصها بالذكر ; لقوله تعالى : وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح .

وَقَدْ أَضَلُّوا۟ كَثِيرًۭا ۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّٰلِمِينَ إِلَّا ضَلَٰلًۭا ﴿24﴾

التفسير:

وقد أضلوا كثيرا هذا من قول نوح ; أي أضل كبراؤهم كثيرا من أتباعهم ; فهو عطف على قوله : ومكروا مكرا كبارا . وقيل : إن الأصنام أضلوا كثيرا أي ضل بسببها كثير ; نظيره قول إبراهيم : رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فأجرى عليهم وصف ما يعقل ; لاعتقاد الكفار فيهم ذلك .ولا تزد الظالمين إلا ضلالا أي عذابا ; قاله ابن بحر . واستشهد بقوله تعالى : إن المجرمين في ضلال وسعر . وقيل : إلا خسرانا . وقيل : إلا فتنة بالمال والولد . وهو محتمل .

مِّمَّا خَطِيٓـَٰٔتِهِمْ أُغْرِقُوا۟ فَأُدْخِلُوا۟ نَارًۭا فَلَمْ يَجِدُوا۟ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَنصَارًۭا ﴿25﴾

التفسير:

قوله تعالى : مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراقوله تعالى : مما خطيئاتهم أغرقوا " ما " صلة مؤكدة ; والمعنى من خطاياهم وقال الفراء : المعنى من أجل خطاياهم ; فأدت ما هذا المعنى . قال : و " ما " تدل على المجازاة . وقراءة أبي عمرو " خطاياهم " على جمع التكسير ; الواحدة خطية . وكان الأصل في الجمع خطائي على فعائل ; فلما اجتمعت الهمزتان قلبت الثانية ياء ، لأن قبلها كسرة ثم استثقلت والجمع ثقيل ، وهو معتل مع ذلك ; فقلبت الياء ألفا ثم قلبت الهمزة الأولى ياء لخفائها بين الألفين . الباقون " خطيئاتهم " على جمع السلامة . قال أبو عمرو : قوم كفروا ألف سنة فلم يكن لهم إلا خطيات ; يريد أن الخطايا أكثر من الخطيات . وقال قوم : خطايا وخطيات واحد ; جمعان مستعملان في الكثرة والقلة ; واستدلوا بقوله تعالى : ما نفدت كلمات الله وقال الشاعر :لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دماوقرئ " خطيئاتهم " و " خطياتهم " بقلب الهمزة ياء وإدغامها . وعن الجحدري وعمرو بن عبيد والأعمش وأبي حيوة وأشهب العقيلي " خطيئتهم " على التوحيد ، والمراد الشرك .فأدخلوا نارا أي بعد إغراقهم . قال القشيري : وهذا يدل على عذاب القبر . ومنكروه يقولون : صاروا مستحقين دخول النار ، أو عرض عليهم أماكنهم من النار ; كما قال تعالى : النار يعرضون عليها غدوا وعشيا . وقيل : أشاروا إلى ما في الخبر من قوله : ( البحر نار من نار ) . وروى أبو روق عن الضحاك في قوله تعالى : أغرقوا فأدخلوا نارا قال : يعني عذبوا بالنار في الدنيا مع الغرق في الدنيا في حالة واحدة ; كانوا يغرقون في جانب ويحترقون في الماء من جانب . ذكره الثعلبي قال : أنشدنا أبو القاسم الحبيبي قال : أنشدنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح قال : أنشدني أبو بكر بن الأنباري :الخلق مجتمع طورا ومفترق والحادثات فنون ذات أطوارلا تعجبن لأضداد إن اجتمعت فالله يجمع بين الماء والنارفلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا أي من يدفع عنهم العذاب .

وَقَالَ نُوحٌۭ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى ٱلْأَرْضِ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ دَيَّارًا ﴿26﴾

التفسير:

قوله تعالى : وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارافيه مسائل :الأولى : دعا عليهم حين يئس من اتباعهم إياه . وقال قتادة : دعا عليهم بعد أن أوحى الله إليه : أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فأجاب الله دعوته وأغرق أمته ; وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم منزل الكتاب ، سريع الحساب ، وهازم الأحزاب ، اهزمهم وزلزلهم " . وقيل : سبب دعائه أن رجلا من قومه حمل ولدا صغيرا على كتفه فمر بنوح فقال : ( احذر هذا فإنه يضلك ) . فقال : يا أبت أنزلني ; فأنزله فرماه فشجه ; فحينئذ غضب ودعا عليهم . وقال محمد بن كعب ومقاتل والربيع وعطية وابن زيد : إنما قال هذا حينما أخرج الله كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم . وأعقم أرحام النساء وأصلاب الرجال قبل العذاب بسبعين سنة . وقيل : بأربعين . قال قتادة : ولم يكن فيهم صبي وقت العذاب . وقال الحسن وأبو العالية : لو أهلك الله أطفالهم معهم كان عذابا من الله لهم وعدلا فيهم ; ولكن الله أهلك أطفالهم وذريتهم بغير عذاب ، ثم أهلكهم بالعذاب ; بدليل قوله تعالى : وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم .الثانية : قال ابن العربي : " دعا نوح على الكافرين أجمعين ، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم على من تحزب على المؤمنين وألب عليهم . وكان هذا أصلا في الدعاء على الكافرين في الجملة ، فأما كافر معين لم تعلم خاتمته فلا يدعى عليه ; لأن مآله عندنا مجهول ، وربما كان عند الله معلوم الخاتمة بالسعادة . وإنما خص النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء عتبة وشيبة وأصحابهما ; لعلمه بمآلهم وما كشف له من الغطاء عن حالهم . والله أعلم " .قلت : قد مضت هذه المسألة مجودة في سورة " البقرة " والحمد لله .الثالثة : قال ابن العربي : " إن قيل لم جعل نوح دعوته على قومه سببا لتوقفه عن طلب الشفاعة للخلق من الله في الآخرة ؟ قلنا : قال الناس في ذلك وجهان : أحدهما أن تلك الدعوة نشأت عن غضب وقسوة ; والشفاعة تكون عن رضا ورقة ، فخاف أن يعاتب ويقال : دعوت على الكفار بالأمس وتشفع لهم اليوم . الثاني أنه دعا غضبا بغير نص ولا إذن صريح في ذلك ; فخاف الدرك فيه يوم القيامة ; كما قال موسى عليه السلام : ( إني قتلت نفسا لم أومر بقتلها ) . قال : وبهذا أقول والله أعلم " .قلت : وإن كان لم يؤمر بالدعاء نصا فقد قيل له : أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن . فأعلم عواقبهم فدعا عليهم بالهلاك ; كما دعا نبينا صلى الله عليه وسلم على شيبة وعتبة ونظرائهم فقال : " اللهم عليك بهم " لما أعلم عواقبهم ; وعلى هذا يكون فيه معنى الأمر بالدعاء . والله أعلم .الرابعة : قوله تعالى : ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا أي من يسكن الديار ; قاله السدي . وأصله ديوار على فيعال من دار يدور ; فقلبت الواو ياء وأدغمت إحداهما في الأخرى . مثل القيام ; أصله قيوام . ولو كان فعالا لكان دوارا . وقال القتبي : أصله من الدار ; أي نازل بالدار . يقال : ما بالدار ديار ; أي أحد . وقيل : الديار صاحب الدار .

إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا۟ عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوٓا۟ إِلَّا فَاجِرًۭا كَفَّارًۭا ﴿27﴾

التفسير:

رَّبِّ ٱغْفِرْ لِى وَلِوَٰلِدَىَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِىَ مُؤْمِنًۭا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّٰلِمِينَ إِلَّا تَبَارًۢا ﴿28﴾

التفسير:

قوله تعالى : رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تباراقوله تعالى : رب اغفر لي ولوالدي دعا لنفسه ولوالديه وكانا مؤمنين . وهما : لمك بن متوشلخ وشمخى بنت أنوش ; ذكره القشيري والثعلبي . وحكى الماوردي في اسم أمه منجل . وقال سعيد بن جبير : أراد بوالديه أباه وجده . وقرأ سعيد بن جبير " لوالدي " بكسر الدال على الواحد . قال الكلبي : كان بينه وبين آدم عشرة آباء كلهم مؤمنون . وقال ابن عباس : لم يكفر لنوح والد فيما بينه وبين آدم عليهما السلام .ولمن دخل بيتي مؤمنا أي مسجدي ومصلاي مصليا مصدقا بالله . وكان إنما يدخل بيوت الأنبياء من آمن منهم فجعل المسجد سببا للدعاء بالغفرة . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه ما لم يحدث فيه تقول : اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه . " الحديث . وقد تقدم . وهذا قول ابن عباس . بيتي مسجدي ; حكاه الثعلبي وقاله الضحاك . وعن ابن عباس أيضا : أي ولمن دخل ديني ; فالبيت بمعنى الدين ; حكاه القشيري وقاله جويبر . وعن ابن عباس أيضا : يعني صديقي الداخل إلى منزلي ; حكاه الماوردي . وقيل : أراد داري . وقيل سفينتي .وللمؤمنين والمؤمنات عامة إلى يوم القيامة ; قاله الضحاك . وقال الكلبي : من أمة محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : من قومه ; والأول أظهر .ولا تزد الظالمين أي الكافرين .إلا تبارا إلا هلاكا ; فهي عامة في كل كافر ومشرك . وقيل : أراد مشركي قومه . والتبار : الهلاك . وقيل : الخسران ; حكاهما السدي . ومنه قوله تعالى : إن هؤلاء متبر ما هم فيه . وقيل : التبار الدمار ; والمعنى واحد . والله أعلم بذلك . وهو الموفق للصواب .

مشغل القرآن
لا يوجد سورة محددة

-

00:00 / 00:00
إحصائيات المنتدى
عدد المواضيع في المنتدى 1,384
عدد المشاركات في المنتدى 0
عدد الاعضاء في الموقع 823
آخر عضو مسجل oGZBXmaEZtED
الأعضاء المتصلون
المجموع: 0 عضو متصل