موقع شبكة الاسلام
92

سورة سُورَةُ اللَّيۡلِ

مكية - 21 آيات

تفسير: الجامع لأحكام القرآن

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ وَٱلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ ﴿1﴾

التفسير:

سورة الليلمكية . وقيل : مدنية . وهي إحدى وعشرون آية بإجماعبسم الله الرحمن الرحيموالليل إذا يغشىقوله تعالى : والليل إذا يغشى أي يغطي . ولم يذكر معه مفعولا للعلم به . وقيل : يغشى النهار . وقيل : الأرض . وقيل : الخلائق . وقيل : يغشى كل شيء بظلمته . وروى سعيد عن قتادة قال : أول ما خلق الله النور والظلمة ، ثم ميز بينهما ، فجعل الظلمة ليلا أسود مظلما ، والنور نهارا مضيئا مبصرا .

وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ ﴿2﴾

التفسير:

أي إذا انكشف ووضح وظهر , وبان بضوئه عن ظلمة الليل .

وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلْأُنثَىٰٓ ﴿3﴾

التفسير:

وما خلق الذكر والأنثى قال الحسن : معناه والذي خلق الذكر والأنثى فيكون قد أقسم بنفسه - عز وجل - . وقيل : معناه وخلق الذكر والأنثى ( فما ) : مصدرية على ما تقدم . وأهل مكة يقولون للرعد : سبحان ما سبحت له! ( فما ) على هذا بمعنى ( من ) ، وهو قول أبي عبيدة وغيره . وقد تقدم . وقيل : المعنى وما خلق من الذكر والأنثى فتكون من مضمرة ، ويكون القسم منه بأهل طاعته ، من أنبيائه وأوليائه ، ويكون قسمه بهم تكرمة لهم وتشريفا . وقال أبو عبيدة : وما خلق أي من خلق . وكذا قوله : والسماء وما بناها ، ونفس وما سواها ، وما في هذه المواضع بمعنى من . وروي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى ويسقط وما خلق . وفي صحيح مسلم عن علقمة قال : قدمنا الشام ، فأتانا أبو الدرداء ، فقال : فيكم أحد يقرأ علي قراءة عبد الله ؟ فقلت : نعم ، أنا . قال : فكيف سمعت عبد الله يقرأ هذه الآية والليل إذا يغشى ؟ قال : سمعته يقرأ والليل إذا يغشى والذكر والأنثى قال : وأنا والله هكذا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرؤها ، ولكن هؤلاء يريدون أن أقرأ وما خلق فلا أتابعهم . قال أبو بكر الأنباري : وحدثنا محمد بن يحيى المروزي قال حدثنا محمد قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال : أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إني أنا الرازق ذو القوة المتين " قال أبو بكر : كل من هذين الحديثين مردود بخلاف الإجماع له ، وأن حمزة وعاصما يرويان عن عبد الله بن مسعود ما عليه جماعة المسلمين ، والبناء على سندين يوافقان الإجماع أولى من الأخذ بواحد يخالفه الإجماع والأمة ، وما يبنى على رواية واحد إذا حاذاه رواية جماعة تخالفه ، أخذ برواية الجماعة ، وأبطل نقل الواحد لما يجوز عليه من النسيان والإغفال . ولو صح الحديث عن أبي الدرداء وكان إسناده مقبولا معروفا ، ثم كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة - رضي الله عنهم - يخالفونه ، لكان الحكم العمل بما روته الجماعة ، ورفض ما يحكيه الواحد المنفرد ، الذي يسرع إليه من النسيان ما لا يسرع إلى الجماعة ، وجميع أهل الملة .وفي المراد بالذكر والأنثى قولان : أحدهما : آدم وحواء قاله ابن عباس والحسن والكلبي . الثاني : يعني جميع الذكور والإناث من بني آدم والبهائم ; لأن الله تعالى خلق جميعهم من ذكر وأنثى من نوعهم . وقيل : كل ذكر وأنثى من الآدميين دون البهائم لاختصاصهم بولاية الله وطاعته .

إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ ﴿4﴾

التفسير:

إن سعيكم لشتى هذا جواب القسم . والمعنى : إن عملكم لمختلف . وقال عكرمة وسائر المفسرين : السعي : العمل فساع في فكاك نفسه ، وساع في عطبها يدل عليه قوله - عليه السلام - : الناس غاديان : فمبتاع نفسه فمعتقها ، وبائع نفسه فموبقها . وشتى واحده شتيت مثل مريض ومرضى . وإنما قيل للمختلف شتى لتباعد ما بين بعضه وبعضه . أي إن عملكم لمتباعد بعضه من بعض ; لأن بعضه ضلالة وبعضه هدى . أي فمنكم مؤمن وبر ، وكافر وفاجر ، ومطيع وعاص . وقيل : لشتى أي لمختلف الجزاء فمنكم مثاب بالجنة ، ومعاقب بالنار . وقيل : أي لمختلف الأخلاق فمنكم راحم وقاس ، وحليم وطائش ، وجواد وبخيل وشبه ذلك .

فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ ﴿5﴾

التفسير:

قوله تعالى : فأما من أعطى واتقى قال ابن مسعود : يعني أبا بكر - رضي الله عنه - وقاله عامة المفسرين . فروي عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال : كان أبو بكر يعتق على الإسلام عجائز ونساء ، قال : فقال له أبو قحافة : أي بني لو أنك أعتقت رجالا جلدا يمنعونك ويقومون معك ؟ فقال : يا أبت إنما أريد ما أريد . وعن ابن عباس في قوله تعالى : فأما من أعطى أي بذل . واتقى أي محارم الله التي نهى عنها . وصدق بالحسنى أي بالخلف من الله تعالى على عطائه . فسنيسره لليسرى وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا ، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا .وروي من حديث أبي الدرداء : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما من يوم غربت شمسه إلا بعث بجنبتها ملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلهم إلا الثقلين : اللهم أعط منفقا خلفا ، وأعط ممسكا تلفا فأنزل الله تعالى في ذلك في القرآن فأما من أعطى . . . الآيات . وقال أهل التفسير : فأما من أعطى المعسرين . وقال قتادة : أعطى حق الله تعالى الذي عليه . وقال الحسن : أعطى الصدق من قلبه .

وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ ﴿6﴾

التفسير:

وصدق بالحسنى أي بلا إله إلا الله قاله الضحاك والسلمي وابن عباس أيضا . وقال مجاهد : بالجنة دليله قوله تعالى : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة . . . الآية . وقال قتادة : بموعود الله الذي وعده أن يثيبه . زيد بن أسلم : بالصلاة والزكاة والصوم . الحسن : بالخلف من عطائه وهو اختيار الطبري . وتقدم عن ابن عباس ، وكله متقارب المعنى إذ كله يرجع إلى الثواب الذي هو الجنة .

فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلْيُسْرَىٰ ﴿7﴾

التفسير:

قوله تعالى : فسنيسره لليسرى أي نرشده لأسباب الخير والصلاح ، حتى يسهل عليه فعلها . وقال زيد بن أسلم : لليسرى للجنة . وفي الصحيحين والترمذي عن علي - رضي الله عنه - قال : كنا في جنازة بالبقيع ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فجلس وجلسنا معه ، ومعه عود ينكت به في الأرض ، فرفع رأسه إلى السماء فقال : " ما من نفس منفوسة إلا قد كتب مدخلها " فقال القوم : يا رسول الله ، أفلا نتكل على كتابنا ؟ فمن كان من أهل السعادة فانه يعمل للسعادة ، ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء . قال : " بل اعملوا فكل ميسر أما من كان من أهل السعادة فإنه ييسر لعمل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه ييسر لعمل الشقاء - ثم قرأ - فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى " لفظ الترمذي . وقال فيه : حديث حسن صحيح . وسأل غلامان شابان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالا : العمل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير ؟ أم في شيء يستأنف ؟ فقال - عليه السلام - : " بل فيما جفت به الأقلام ، وجرت به المقادير " قالا : ففيم العمل ؟ قال : " اعملوا فكل ميسر لعمل الذي خلق له " قالا : فالآن نجد ونعمل .

وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ ﴿8﴾

التفسير:

قوله تعالى : وأما من بخل واستغنى أي ضن بما عنده ، فلم يبذل خيرا . وقد تقدم بيانه وثمرته في الدنيا في سورة ( آل عمران ) . وفي الآخرة مآله النار ، كما في هذه الآية . روى الضحاك عن ابن عباس فسنيسره للعسرى قال : سوف أحول بينه وبين الإيمان بالله وبرسوله . وعنه عن ابن عباس قال : نزلت في أمية بن خلف وروى عكرمة عن ابن عباس : وأما من بخل واستغنى يقول : بخل بماله ، واستغنى عن ربه .

وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ ﴿9﴾

التفسير:

أي بالخلف .وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد : " وكذب بالحسنى " قال : بالجنة .وبإسناد عنه آخر قال " بالحسنى " أي بلا إله إلا الله .

فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلْعُسْرَىٰ ﴿10﴾

التفسير:

فسنيسره أي نسهل طريقه . للعسرى أي للشر . وعن ابن مسعود : للنار . وقيل : أي فسنعسر عليه أسباب الخير والصلاح حتى يصعب عليه فعلها . وقد تقدم أن الملك ينادي صباحا ومساء : اللهم أعط منفقا خلفا ، وأعط ممسكا تلفا . رواه أبو الدرداء .مسألة : قال العلماء : ثبت بهذه الآية وبقوله : ومما رزقناهم ينفقون ، وقوله : الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية إلى غير ذلك من الآيات - أن الجود من مكارم الأخلاق ، والبخل من أرذلها . وليس الجواد الذي يعطي في غير موضع العطاء ، ولا البخيل الذي يمنع في موضع المنع ، لكن الجواد الذي يعطي في موضع العطاء ، والبخيل الذي يمنع في موضع العطاء ، فكل من استفاد بما يعطي أجرا وحمدا فهو الجواد . وكل من استحق بالمنع ذما أو عقابا فهو البخيل . ومن لم يستفد بالعطاء أجرا ولا حمدا ، وإنما استوجب به ذما فليس بجواد ، وإنما هو مسرف مذموم ، وهو من المبذرين الذين جعلهم الله إخوان الشياطين ، وأوجب الحجر عليهم . ومن لم يستوجب بالمنع عقابا ولا ذما ، واستوجب به حمدا ، فهو من أهل الرشد ، الذين يستحقون القيام على أموال غيرهم ، بحسن تدبيرهم وسداد رأيهم .قال الفراء : يقول القائل : كيف قال : فسنيسره للعسرى ؟ وهل في العسرى تيسير ؟ فيقال في الجواب : هذا في إجازته بمنزلة قوله - عز وجل - : فبشرهم بعذاب أليم ، والبشارة في الأصل على المفرح والسار ، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر ، جاءت البشارة فيهما . وكذلك التيسير في الأصل على المفرح ، فإذا جمع في كلامين هذا خير وهذا شر ، جاء التيسير فيهما جميعا . قال الفراء : وقوله تعالى : فسنيسره : سنهيئه . والعرب تقول : قد يسرت الغنم : إذا ولدت أو تهيأت للولادة . قال :[ إن لنا شيخين لا ينفعاننا غنيين لا يجدي علينا غناهما ] هما سيدانا يزعمان وإنمايسوداننا أن يسرت غنماهما

وَمَا يُغْنِى عَنْهُ مَالُهُۥٓ إِذَا تَرَدَّىٰٓ ﴿11﴾

التفسير:

قوله تعالى : وما يغني عنه ماله إذا تردى أي مات . يقال : ردي الرجل يردى ردى : إذا هلك . قال :صرفت الهوى عنهن من خشية الردىوقال أبو صالح وزيد بن أسلم : إذا تردى : سقط في جهنم ومنه المتردية . ويقال : ردي في البئر وتردى : إذا سقط في بئر ، أو تهور من جبل . يقال : ما أدري أين ردي ؟ أي أين ذهب . وما : يحتمل أن تكون جحدا أي ولا يغني عنه ماله شيئا ويحتمل أن تكون استفهاما معناه التوبيخ أي أي شيء يغني عنه إذا هلك ووقع في جهنم !

إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ ﴿12﴾

التفسير:

إن علينا للهدى أي إن علينا أن نبين طريق الهدى من طريق الضلالة . فالهدى : بمعنى بيان الأحكام ، قاله الزجاج . أي على الله البيان ، بيان حلاله وحرامه ، وطاعته ومعصيته قاله قتادة . وقال الفراء : من سلك الهدى فعلى الله سبيله لقوله : وعلى الله قصد السبيل يقول : من أراد الله فهو على السبيل القاصد . وقيل : معناه إن علينا للهدى والإضلال ، فترك الإضلال كقوله : بيدك الخير ، و بيده ملكوت كل شيء . وكما قال : سرابيل تقيكم الحر وهي تقي البرد عن الفراء أيضا . وقيل : أي إن علينا ثواب هداه الذي هديناه .

وَإِنَّ لَنَا لَلْءَاخِرَةَ وَٱلْأُولَىٰ ﴿13﴾

التفسير:

وإن لنا للآخرة والأولى ، للآخرة الجنة . والأولى الدنيا . وكذا روى عطاء عن ابن عباس . أي الدنيا والآخرة لله تعالى . وروى أبو صالح عن ابن عباس قال : ثواب الدنيا والآخرة ، وهو كقوله تعالى : من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة فمن طلبهما من غير مالكهما فقد أخطأ الطريق .

فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًۭا تَلَظَّىٰ ﴿14﴾

التفسير:

فَأَنْذَرْتُكُمْأي حذرتكم وخوفتكم .نَارًا تَلَظَّىأي تلهب وتتوقد وأصله تتلظى .وهي قراءة عبيد بن عمير , ويحيى بن يعمر , وطلحة بن مصرف .

لَا يَصْلَىٰهَآ إِلَّا ٱلْأَشْقَى ﴿15﴾

التفسير:

قال : الفراء : إلا الأشقى إلا من كان شقيا في علم الله جل ثناؤه . وروى الضحاك عن ابن عباس قال : لا يصلاها إلا الأشقى أمية بن خلف ونظراؤه الذين كذبوا محمدا - صلى الله عليه وسلم - وقال قتادة : كذب بكتاب الله ، وتولى عن طاعة الله . وقال الفراء : لم يكن كذب برد ظاهر ، ولكنه قصر عما أمر به من الطاعة فجعل تكذيبا ، كما تقول : لقي فلان العدو فكذب : إذا نكل ورجع عن اتباعه . قال : وسمعت أبا ثروان يقول : إن بني نمير ليس لجدهم مكذوبة . يقول : إذا لقوا صدقوا القتال ، ولم يرجعوا . وكذلك قوله جل ثناؤه : ليس لوقعتها كاذبة يقول : هي حق . وسمعت سلم بن الحسن يقول : سمعت أبا إسحاق الزجاج يقول : هذه الآية التي من أجلها قال أهل الإرجاء بالإرجاء ، فزعموا أنه لا يدخل النار إلا كافر لقوله جل ثناؤه : لا يصلاها إلا الأشقى

ٱلَّذِى كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ﴿16﴾

التفسير:

الذي كذب وتولى وليس الأمر كما ظنوا . هذه نار موصوفة بعينها ، لا يصلى هذه النار إلا الذي كذب وتولى . ولأهل النار منازل فمنها أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار والله سبحانه كل ما وعد عليه بجنس من العذاب فجائز أن يعذب به . وقال جل ثناؤه : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، فلو كان كل من لم يشرك لم يعذب ، لم يكن في قوله : ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فائدة ، وكان ويغفر ما دون ذلك كلاما لا معنى له .الزمخشري : الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين ، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين فقيل : الأشقى ، وجعل مختصا بالصلي ، كأن النار لم تخلق إلا له وقيل : الأتقى ، وجعل مختصا بالجنة ، كأن الجنة لم تخلق إلا له وقيل : هما أبو جهل أو أمية بن خلف . وأبو بكر - رضي الله عنه - .الذي كذب بنبي الله محمد - صلى الله عليه وسلم - وتولى أي أعرض عن الإيمان . وروى مكحول عن أبي هريرة قال : كل يدخل الجنة إلا من أباها . قال : يا أبا هريرة ، ومن يأبى أن يدخل الجنة ؟ قال : الذي كذب وتولى . وقال مالك : صلى بنا عمر بن عبد العزيز المغرب ، فقرأ والليل إذا يغشى فلما بلغ فأنذرتكم نارا تلظى وقع عليه البكاء ، فلم يقدر يتعداها من البكاء ، فتركها وقرأ سورة أخرى .

وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلْأَتْقَى ﴿17﴾

التفسير:

قوله تعالى : وسيجنبها أي يكون بعيدا منها .الأتقى أي المتقي الخائف . قال ابن عباس : هو أبو بكر - رضي الله عنه - يزحزح عن دخول النار .

ٱلَّذِى يُؤْتِى مَالَهُۥ يَتَزَكَّىٰ ﴿18﴾

التفسير:

ثم وصف الأتقى فقال : " الذي يؤتي ماله يتزكى " أي يطلب أن يكون عند الله زاكيا , ولا يطلب بذلك رياء ولا سمعة , بل يتصدق به مبتغيا به وجه الله تعالى .وقال بعض أهل المعاني : أراد بقوله " الأتقى " و " الأشقى " أي التقي والشقي كقول طرفة : تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد أي واحد ووحيد وتوضع ( أفعل ) موضع فعيل , نحو قولهم : الله أكبر بمعنى كبير , " وهو أهون عليه " [ الروم : 27 ] بمعنى هين .

وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعْمَةٍۢ تُجْزَىٰٓ ﴿19﴾

التفسير:

قوله تعالى : قوله تعالى : وما لأحد عنده من نعمة تجزى أي ليس يتصدق ليجازى على نعمة ، إنما يبتغي وجه ربه الأعلى ، أي المتعالي ولسوف يرضى أي بالجزاء . فروى عطاء والضحاك عن ابن عباس قال : عذب المشركون بلالا ، وبلال يقول أحد أحد فمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " أحد - يعني الله تعالى - ينجيك " ثم قال لأبي بكر : " يا أبا بكر إن بلالا يعذب في الله " فعرف أبو بكر الذي يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانصرف إلى منزله ، فأخذ رطلا من ذهب ، ومضى به إلى أمية بن خلف ، فقال له : أتبيعني بلالا ؟ قال : نعم فاشتراه فأعتقه . فقال المشركون : ما أعتقه أبو بكر إلا ليد كانت له عنده فنزلت وما لأحد عنده أي عند أبي بكر من نعمة ، أي من يد ومنة ، تجزى بل ابتغاء بما فعل وجه ربه الأعلى . وقيل : اشترى أبو بكر من أمية وأبي بن خلف بلالا ، ببردة وعشر أواق ، فأعتقه لله ، فنزلت : إن سعيكم لشتى . وقال سعيد بن المسيب : بلغني أن أمية بن خلف قال لأبي بكر حين قال له أبو بكر : أتبيعنيه ؟ فقال : نعم ، أبيعه بنسطاس ، وكان نسطاس عبدا لأبي بكر ، صاحب عشرة آلاف دينار وغلمان وجوار ومواش ، وكان مشركا ، فحمله أبو بكر على الإسلام ، على أن يكون له ماله ، فأبى ، فباعه أبو بكر به . فقال المشركون : ما فعل أبو بكر ببلال هذا إلا ليد كانت لبلال عنده فنزلت وما لأحد عنده من نعمة تجزى

إِلَّا ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلْأَعْلَىٰ ﴿20﴾

التفسير:

إلا ابتغاء أي لكن ابتغاء فهو استثناء منقطع فلذلك نصبت . كقولك : ما في الدار أحد إلا حمارا . ويجوز الرفع . وقرأ يحيى بن وثاب إلا ابتغاء وجه ربه بالرفع ، على لغة من يقول : يجوز الرفع في المستثنى . وأنشد في اللغتين قول بشر بن أبي خازم :أضحت خلاء قفارا لا أنيس بها إلا الجآذر والظلمان تختلفوقول القائل :وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيسوفي التنزيل : ما فعلوه إلا قليل منهم وقد تقدم .وجه ربه الأعلى أي مرضاته وما يقرب منه . والأعلى من نعت الرب الذي استحق صفات العلو . ويجوز أن يكون ابتغاء وجه ربه مفعولا له على المعنى ; لأن معنى الكلام : لا يؤتي ماله إلا ابتغاء وجه ربه ، لا لمكافأة نعمته .

وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ ﴿21﴾

التفسير:

ولسوف يرضى أي سوف يعطيه في الجنة ما يرضي وذلك أنه يعطيه أضعاف ما أنفق . وروى أبو حيان التيمي عن أبيه عن علي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : رحم الله أبا بكر زوجني ابنته ، وحملني إلى دار الهجرة ، وأعتق بلالا من ماله . ولما اشتراه أبو بكر قال له بلال : هل اشتريتني لعملك أو لعمل الله ؟ قال : بل لعمل الله قال : فذرني وعمل الله ، فأعتقه . وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالا - رضي الله عنه - . وقال عطاء - وروى عن ابن عباس - : إن السورة نزلت في أبي الدحداح في النخلة التي اشتراها بحائط له ، فيما ذكر الثعلبي عن عطاء .وقال القشيري عن ابن عباس : بأربعين نخلة ولم يسم الرجل . قال عطاء : كان لرجل من الأنصار نخلة ، يسقط من بلحها في دار جار له ، فيتناوله صبيانه ، فشكا ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " تبيعها بنخلة في الجنة " ؟ فأبى فخرج فلقيه أبو الدحداح فقال : هل لك أن تبيعنيها ب ( حسنى ) : حائط له . فقال : هي لك . فأتى أبو الدحداح إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : يا رسول الله ، اشترها مني بنخلة في الجنة . قال : " نعم ، والذي نفسي بيده " فقال : هي لك يا رسول الله ، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - جار الأنصاري ، فقال : " خذها " فنزلت والليل إذا يغشى إلى آخر السورة في بستان أبي الدحداح وصاحب النخلة . فأما من أعطى واتقى يعني أبا الدحداح . وصدق بالحسنى أي بالثواب . فسنيسره لليسرى : يعني الجنة . وأما من بخل واستغنى يعني الأنصاري . وكذب بالحسنى أي بالثواب . فسنيسره للعسرى ، يعني جهنم . وما يغني عنه ماله إذا تردى أي مات . إلى قوله : لا يصلاها إلا الأشقى يعني بذلك الخزرجي وكان منافقا ، فمات على نفاقه .وسيجنبها الأتقى يعني أبا الدحداح . الذي يؤتي ماله يتزكى في ثمن تلك النخلة . ما لأحد عنده من نعمة تجزى يكافئه عليها يعني أبا الدحداح . ولسوف يرضى إذا أدخله الله الجنة . والأكثر أن السورة نزلت في أبي بكر - رضي الله عنه - وروي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وعبد الله بن الزبير وغيرهم . وقد ذكرنا خبرا آخر لأبي الدحداح في سورة ( البقرة ) ، عند قوله : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا . والله تعالى أعلم .

مشغل القرآن
لا يوجد سورة محددة

-

00:00 / 00:00
إحصائيات المنتدى
عدد المواضيع في المنتدى 1,424
عدد المشاركات في المنتدى 0
عدد الاعضاء في الموقع 9
المستخدمين المتصلين 0
آخر عضو مسجل Richard Edward
الأعضاء المتصلون
المجموع: 0 عضو متصل