موقع شبكة الاسلام
67

سورة سُورَةُ المُلۡكِ

مكية - 30 آيات

تفسير: الجامع لأحكام القرآن

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ تَبَٰرَكَ ٱلَّذِى بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ ﴿1﴾

التفسير:

سورة الملكمكية في قول الجميعوتسمى الواقية والمنجية . وهي ثلاثون آيةروى الترمذي عن ابن عباس قال : ضرب رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر ، فإذا قبر إنسان يقرأ سورة " الملك " حتى ختمها ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر ، فإذا قبر إنسان يقرأ سورة " الملك " حتى ختمها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هي المانعة ، هي المنجية تنجيه من عذاب القبر " . قال : حديث حسن غريب . وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وددت أن " تبارك الذي بيده الملك " في قلب كل مؤمن " ذكره الثعلبي . وعن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية شفعت لرجل حتى أخرجته من النار يوم القيامة وأدخلته الجنة وهي سورة " تبارك " ) . خرجه الترمذي بمعناه ، وقال فيه : حديث حسن . وقال ابن مسعود : إذا وضع الميت في قبره فيؤتى من قبل رجليه ، فيقال : ليس لكم عليه سبيل ، فإنه كان يقوم بسورة " الملك " على قدميه . ثم يؤتى من قبل رأسه ، فيقول لسانه : ليس لكم عليه سبيل ، إنه كان يقرأ بي سورة " الملك " ثم قال : هي المانعة من عذاب الله ، وهي في التوراة سورة " الملك " من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطيب . وروي أن من قرأها كل ليلة لم يضره الفتان .بسم الله الرحمن الرحيمتبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قديرتبارك تفاعل من البركة وقد تقدم . وقال الحسن : تقدس . وقيل دام . فهو الدائم الذي لا أول لوجوده ولا آخر لدوامه .الذي بيده الملك أي ملك السموات والأرض في الدنيا والآخرة . وقال ابن عباس : بيده الملك يعز من يشاء ويذل من يشاء ، ويحيي ويميت ، ويغني ويفقر ، ويعطي ويمنع . وقال محمد بن إسحاق : له ملك النبوة التي أعز بها من اتبعه وذل بها من خالفه .وهو على كل شيء قدير من إنعام وانتقام .

ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَوٰةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًۭا ۚ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ ﴿2﴾

التفسير:

قوله تعالى : الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفورفيه مسألتان :الأولى : قوله تعالى : الذي خلق الموت والحياة فيه مسألتان : قيل : المعنى خلقكم للموت والحياة ; يعني للموت في الدنيا والحياة في الآخرة وقدم الموت على الحياة ; لأن الموت إلى القهر أقرب ; كما قدم البنات على البنين فقال : يهب لمن يشاء إناثا . وقيل : قدمه لأنه أقدم ; لأن الأشياء في الابتداء كانت في حكم الموت كالنطفة والتراب ونحوه . وقال قتادة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله تعالى أذل بني آدم بالموت ، وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت ، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء " . وعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لولا ثلاث ما طأطأ ابن آدم رأسه : الفقر والمرض والموت ، وإنه مع ذلك لوثاب " .المسألة الثانية : الموت والحياة قدم الموت على الحياة ، لأن أقوى الناس داعيا إلى العمل من نصب موته بين عينيه ; فقدم لأنه فيما يرجع إلى الغرض المسوق له الآية أهم ، قال العلماء : الموت ليس بعدم محض ولا فناء صرف ، وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته ، وحيلولة بينهما ، وتبدل حال وانتقال من دار إلى دار . والحياة عكس ذلك . وحكي عن ابن عباس والكلبي ومقاتل أن الموت والحياة جسمان ، فجعل الموت في هيئة كبش لا يمر بشيء ولا يجد ريحه إلا مات ، وخلق الحياة على صورة فرس أنثى بلقاء - وهي التي كان جبريل والأنبياء عليهم السلام يركبونها - خطوتها مد البصر ، فوق الحمار ودون البغل ، لا تمر بشيء يجد ريحها إلا حيي ، ولا تطأ على شيء إلا حيي . وهي التي أخذ السامري من أثرها فألقاه على العجل فحيي . حكاه الثعلبي والقشيري عن ابن عباس . والماوردي : معناه عن مقاتل والكلبي .قلت : وفي التنزيل : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ، ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة ثم توفته رسلنا ، ثم قال : الله يتوفى الأنفس حين موتها . فالوسائط ملائكة مكرمون صلوات الله عليهم . وهو سبحانه المميت على الحقيقة ، وإنما يمثل الموت بالكبش في الآخرة ويذبح على الصراط ; حسب ما ورد به الخبر الصحيح . وما ذكر عن ابن عباس يحتاج إلى خبر صحيح يقطع العذر . والله أعلم . وعن مقاتل أيضا : خلق الموت ; يعني النطفة والعلقة والمضغة ، وخلق الحياة ; يعني خلق إنسانا ونفخ فيه الروح فصار إنسانا .قلت : وهذا قول حسن ; يدل عليه قوله تعالى : ليبلوكم أيكم أحسن عملا وتقدم الكلام فيه في سورة " الكهف " . وقال السدي في قوله تعالى : الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا أي أكثركم للموت ذكرا وأحسن استعدادا ، ومنه أشد خوفا وحذرا . وقال ابن عمر : تلا النبي صلى الله عليه وسلم : تبارك الذي بيده الملك حتى بلغ : أيكم أحسن عملا فقال : أورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله . وقيل : معنى ليبلوكم ليعاملكم معاملة المختبر ; أي ليبلو العبد بموت من يعز عليه ليبين صبره ، وبالحياة ليبين شكره . وقيل : خلق الله الموت للبعث والجزاء ، وخلق الحياة للابتلاء . فاللام في ليبلوكم تتعلق بخلق الحياة لا بخلق الموت ; ذكره الزجاج . وقال الفراء والزجاج أيضا : لم تقع البلوى على " أي " لأن فيما بين البلوى و " أي " إضمار فعل ; كما تقول : بلوتكم لأنظر أيكم أطوع . ومثله قوله تعالى : سلهم أيهم بذلك زعيم أي سلهم ثم انظر أيهم . ف " أيكم " رفع بالابتداء و " أحسن " خبره . والمعنى : ليبلوكم فيعلم أو فينظر أيكم أحسن عملا .وهو العزيز في انتقامه ممن عصاه .الغفور لمن تاب .

ٱلَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍۢ طِبَاقًۭا ۖ مَّا تَرَىٰ فِى خَلْقِ ٱلرَّحْمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٍۢ ۖ فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍۢ ﴿3﴾

التفسير:

قوله تعالى : الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطورقوله تعالى : الذي خلق سبع سماوات طباقا أي بعضها فوق بعض . والملتزق منها أطرافها ; كذا روي عن ابن عباس . و " طباقا " نعت ل " سبع " فهو وصف بالمصدر . وقيل : مصدر بمعنى المطابقة ; أي خلق سبع سموات وطبقها تطبيقا أو مطابقة . أو على طوبقت طباقا . وقال سيبويه : نصب طباقا لأنه مفعول ثان .قلت : فيكون خلق بمعنى جعل وصير . وطباق جمع طبق ; مثل جمل وجمال . وقيل : جمع طبقة . وقال أبان بن تغلب : سمعت بعض الأعراب يذم رجلا فقال : شره طباق ، وخيره غير باق . ويجوز في غير القرآن سبع سموات طباق ; بالخفض على النعت لسموات . ونظيره ( وسبع سنبلات خضر ) .ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت قراءة حمزة والكسائي " من تفوت " بغير ألف مشددة . وهي قراءة ابن مسعود وأصحابه . الباقون ( من تفاوت ) بألف . وهما لغتان مثل التعاهد والتعهد ، والتحمل والتحامل ، والتظهر والتظاهر ، وتصاغر وتصغر ، وتضاعف وتضعف ، وتباعد وتبعد ; كله بمعنى . واختار أبو عبيد " من تفوت " واحتج بحديث عبد الرحمن بن أبي بكر : " أمثلي يتفوت عليه في بناته ! " النحاس : وهذا أمر مردود على أبي عبيد ، لأن يتفوت يفتات بهم . وتفاوت في الآية أشبه . كما يقال تباين يقال : تفاوت الأمر إذا تباين وتباعد ; أي فات بعضها بعضا . ألا ترى أن قبله قوله تعالى : الذي خلق سبع سموات طباقا . والمعنى : ما ترى في خلق الرحمن من اعوجاج ولا تناقض ولا تباين - بل هي مستقيمة مستوية دالة على خالقها - وإن اختلفت صوره وصفاته . وقيل : المراد بذلك السموات خاصة ; أي ما ترى في خلق السموات من عيب . وأصله من الفوت ، وهو أن يفوت شيء شيئا فيقع الخلل لقلة استوائها ; يدل عليه قول ابن عباس رضي الله عنه : من تفرق . وقال أبو عبيدة : يقال : تفوت الشيء أي فات .ثم أمر بأن ينظروا في خلقه ليعتبروا به فيتفكروا في قدرته : فقال :فارجع البصر هل ترى من فطور أي اردد طرفك إلى السماء . ويقال : قلب البصر في السماء . ويقال : اجهد بالنظر إلى السماء . والمعنى متقارب . وإنما قال : فارجع بالفاء وليس قبله فعل مذكور ; لأنه قال : ما ترى . والمعنى انظر ثم ارجع البصر هل ترى من فطور ; قاله قتادة . والفطور : الشقوق ، عن مجاهد والضحاك . وقال قتادة : من خلل . السدي : من خروق . ابن عباس : من وهن . وأصله من التفطر والانفطار وهو الانشقاق . قال الشاعر :بنى لكم بلا عمد سماء وزينها فما فيها فطوروقال آخر :شققت القلب ثم ذررت فيه هواك فليم فالتأم الفطورتغلغل حيث لم يبلغ شراب ولا سكر ولم يبلغ سرور

ثُمَّ ٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ ٱلْبَصَرُ خَاسِئًۭا وَهُوَ حَسِيرٌۭ ﴿4﴾

التفسير:

قوله تعالى : ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسيرقوله تعالى : ثم ارجع البصر كرتين كرتين في موضع المصدر ; لأن معناه رجعتين ، أي مرة بعد أخرى . وإنما أمر بالنظر مرتين لأن الإنسان إذا نظر في الشيء مرة لا يرى عيبه ما لم ينظر إليه مرة أخرى . فأخبر تعالى أنه وإن نظر في السماء مرتين لا يرى فيها عيبا بل يتحير بالنظر إليها ; فذلك قوله تعالى : ينقلب إليك البصر خاسئا أي خاشعا صاغرا متباعدا عن أن يرى شيئا من ذلك . يقال : خسأت الكلب أي أبعدته وطردته . وخسأ الكلب بنفسه ، يتعدى ولا يتعدى . وانخسأ الكلب أيضا . وخسأ بصره خسأ وخسوءا أي سدر ، ومنه قوله تعالى :ينقلب إليك البصر خاسئا وقال ابن عباس : الخاسئ الذي لم ير ما يهوى .وهو حسير أي قد بلغ الغاية في الإعياء . فهو بمعنى فاعل ; من الحسور الذي هو الإعياء . ويجوز أن يكون مفعولا من حسره بعد الشيء ، وهو معنى قول ابن عباس . ومنه قول الشاعر :من مد طرفا إلى ما فوق غايته ارتد خسآن منه الطرف قد حسرايقال : قد حسر بصره يحسر حسورا ، أي كل وانقطع نظره من طول مدى وما أشبه ذلك ، فهو حسير ومحسور أيضا . قال :نظرت إليها بالمحصب من منى فعاد إلي الطرف وهو حسيروقال آخر يصف ناقة هو قيس بن خويلد :إن العسير بها داء يخامرها فشطرها نظر العينين محسورنصب " شطرها " على الظرف ، أي نحوها . وقال آخر :والخيل شعث ما تزال جيادها حسرى تغادر بالطريق سخالهاوقيل : إنه النادم . ومنه قول الشاعر :ما أنا اليوم على شيء خلا يا ابنة القين تولى بحسرالمراد ب " كرتين " هاهنا التكثير . والدليل على ذلك : ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير وذلك دليل على كثرة النظر .

وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلْنَٰهَا رُجُومًۭا لِّلشَّيَٰطِينِ ۖ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ ﴿5﴾

التفسير:

قوله تعالى : ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصيرقوله تعالى : ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح جمع مصباح وهو السراج . وتسمى الكواكب مصابيح لإضاءتها .وجعلناها رجوما للشياطين أي جعلنا شهبها ; فحذف المضاف . دليله : إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب . وعلى هذا فالمصابيح لا تزول ولا يرجم بها . وقيل : إن الضمير راجع إلى المصابيح على أن الرجم من أنفس الكواكب ، ولا يسقط الكوكب نفسه إنما ينفصل منه شيء يرجم به من غير أن ينقص ضوءه ولا صورته . قاله أبو علي جوابا لمن قال : كيف تكون زينة وهي رجوم لا تبقى . قال المهدوي : وهذا على أن يكون الاستراق من موضع الكواكب . والتقدير الأول على أن يكون الاستراق من الهوى الذي هو دون موضع الكواكب . القشيري : وأمثل من قول أبي علي أن نقول : هي زينة قبل أن يرجم بها الشياطين . والرجوم جمع رجم ; وهو مصدر سمي به ما يرجم به . قال قتادة : خلق الله تعالى النجوم لثلاث : زينة للسماء ، ورجوما للشياطين ، وعلامات يهتدى بها في البر والبحر والأوقات . فمن تأول فيها غير ذلك فقد تكلف ما لا علم له به ، وتعدى وظلم . وقال محمد بن كعب : والله ما لأحد من أهل الأرض في السماء نجم ، ولكنهم يتخذون الكهانة سبيلا ، ويتخذون النجوم علة .وأعتدنا لهم عذاب السعير أي أعتدنا للشياطين أشد الحريق ; يقال : سعرت النار فهي مسعورة وسعير ; مثل مقتولة وقتيل .

وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ ۖ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ ﴿6﴾

التفسير:

وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير

إِذَآ أُلْقُوا۟ فِيهَا سَمِعُوا۟ لَهَا شَهِيقًۭا وَهِىَ تَفُورُ ﴿7﴾

التفسير:

قوله تعالى : إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفورقوله تعالى : إذا ألقوا فيها يعني الكفار .سمعوا لها شهيقا أي صوتا . قال ابن عباس : الشهيق لجهنم عند إلقاء الكفار فيها ; تشهق إليهم شهقة البغلة للشعير ، ثم تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف . وقيل : الشهيق من الكفار عند إلقائهم في النار قاله عطاء . والشهيق في الصدر ، والزفير في الحلق . وقد مضى في سورة " هود " .وهي تفور أي تغلي ; ومنه قول حسان :تركتم قدركم لا شيء فيها وقدر القوم حامية تفورقال مجاهد : تفور بهم كما يفور الحب القليل في الماء الكثير . وقال ابن عباس : تغلي بهم على المرجل ; وهذا من شدة لهب النار من شدة الغضب ; كما تقول فلان يفور غيظا .

تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ ٱلْغَيْظِ ۖ كُلَّمَآ أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌۭ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌۭ ﴿8﴾

التفسير:

قوله تعالى : تكاد تميز من الغيظ يعني تتقطع وينفصل بعضها من بعض ; قاله سعيد بن جبير . وقال ابن عباس والضحاك وابن زيد : تتفرق . من الغيظ من شدة الغيظ على أعداء الله تعالى . وقيل : من الغيظ من الغليان . وأصل " تميز " تتميز .كلما ألقي فيها فوج أي جماعة من الكفار .سألهم خزنتها على جهة التوبيخ والتقريعألم يأتكم نذير أي رسول في الدنيا ينذركم هذا اليوم حتى تحذروا .

قَالُوا۟ بَلَىٰ قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌۭ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَىْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِى ضَلَٰلٍۢ كَبِيرٍۢ ﴿9﴾

التفسير:

قالوا بلى قد جاءنا نذير أنذرنا وخوفنا .فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء أي على ألسنتكم .إن أنتم يا معشر الرسل .إلا في ضلال كبير اعترفوا بتكذيب الرسل ، ثم اعترفوا بجهلهم فقالوا وهم في النار :

وَقَالُوا۟ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِىٓ أَصْحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ ﴿10﴾

التفسير:

وقالوا لو كنا نسمع من النذر - يعني الرسل - ما جاءوا بهأو نعقل عنهم . قال ابن عباس : لو كنا نسمع الهدى أو نعقله ، أو لو كنا نسمع سماع من يعي ويفكر ، أو نعقل عقل من يميز وينظر . ودل هذا على أن الكافر لم يعط من العقل شيئا . وقد مضى في " الطور " بيانه والحمد لله .ما كنا في أصحاب السعير يعني ما كنا من أهل النار . وعن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : لقد ندم الفاجر يوم القيامة قالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير

فَٱعْتَرَفُوا۟ بِذَنۢبِهِمْ فَسُحْقًۭا لِّأَصْحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ ﴿11﴾

التفسير:

فقال الله تعالى : فاعترفوا بذنبهم أي بتكذيبهم الرسل . والذنب هاهنا بمعنى الجمع ; لأن فيه معنى الفعل . يقال : خرج عطاء الناس أي أعطيتهم .فسحقا لأصحاب السعير أي فبعدا لهم من رحمة الله . وقال سعيد بن جبير وأبو صالح : هو واد في جهنم يقال له السحق . وقرأ الكسائي وأبو جعفر " فسحقا " بضم الحاء ، ورويت عن علي . الباقون بإسكانها ، وهما لغتان مثل السحت والرعب . الزجاج : وهو منصوب على المصدر ; أي أسحقهم الله سحقا ; أي باعدهم بعدا . قال امرؤ القيس :يجول بأطراف البلاد مغربا وتسحقه ريح الصبا كل مسحقوقال أبو علي : القياس إسحاقا ; فجاء المصدر على الحذف ; كما قيل : وإن أهلك فذلك كان قدري أي تقديري . وقيل : إن قوله تعالى : إن أنتم إلا في ضلال كبير من قول خزنة جهنم لأهلها .

إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌۭ وَأَجْرٌۭ كَبِيرٌۭ ﴿12﴾

التفسير:

قوله تعالى : إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبيرقوله تعالى : إن الذين يخشون ربهم بالغيب نظيره : من خشي الرحمن بالغيب وقد مضى الكلام فيه . أي يخافون الله ويخافون عذابه الذي هو بالغيب ; وهو عذاب يوم القيامة .لهم مغفرة لذنوبهموأجر كبير وهو الجنة .

وَأَسِرُّوا۟ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُوا۟ بِهِۦٓ ۖ إِنَّهُۥ عَلِيمٌۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴿13﴾

التفسير:

قوله تعالى : وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدورقوله تعالى : وأسروا قولكم أو اجهروا به اللفظ لفظ الأمر والمراد به الخبر ; يعني إن أخفيتم كلامكم في أمر محمد صلى الله عليه وسلم أو جهرتم به ف إنه عليم بذات الصدور يعني بما في القلوب من الخير والشر . ابن عباس : نزلت في المشركين ، كانوا ينالون من النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره جبريل عليه السلام ; فقال بعضهم لبعض : أسروا قولكم كي لا يسمع رب محمد ; فنزلت : " وأسروا قولكم أو اجهروا به " . يعني : أسروا قولكم في أمر محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل في سائر الأقوال . أو اجهروا به ; أعلنوه .إنه عليم بذات الصدور ذات الصدور : ما فيها ; كما يسمى ولد المرأة وهو جنين " ذا بطنها " .

أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ ﴿14﴾

التفسير:

ثم قال : ألا يعلم من خلق يعني ألا يعلم السر من خلق السر . يقول أنا خلقت السر في القلب أفلا أكون عالما بما في قلوب العباد . وقال أهل المعاني : إن شئت جعلت " من " اسما للخالق جل وعز ; ويكون المعنى : ألا يعلم الخالق خلقه . وإن شئت جعلته اسما للمخلوق ، والمعنى : ألا يعلم الله من خلق . ولا بد أن يكون الخالق عالما بما خلقه وما يخلقه . قال ابن المسيب : بينما رجل واقف بالليل في شجر كثير وقد عصفت الريح فوقع في نفس الرجل : أترى الله يعلم ما يسقط من هذا الورق ؟ فنودي من جانب الغيضة بصوت عظيم : ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبيروقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني : من أسماء صفات الذات ما هو للعلم ; منها " العليم " ومعناه تعميم جميع المعلومات . ومنها " الخبير " ويختص بأن يعلم ما يكون قبل أن يكون . ومنها " الحكيم " ويختص بأن يعلم دقائق الأوصاف . ومنها " الشهيد " ويختص بأن يعلم الغائب والحاضر ومعناه أن لا يغيب عنه شيء ،ومنها الحافظ ويختص بأنه لا ينسى . ومنها " المحصي " ويختص بأنه لا تشغله الكثرة عن العلم ; مثل ضوء النور واشتداد الريح وتساقط الأوراق ; فيعلم عند ذلك أجزاء الحركات في كل ورقة . وكيف لا يعلم وهو الذي يخلق ! وقد قال : ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير .

هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلْأَرْضَ ذَلُولًۭا فَٱمْشُوا۟ فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا۟ مِن رِّزْقِهِۦ ۖ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ ﴿15﴾

التفسير:

قوله تعالى : هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشورقوله تعالى : هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا أي سهلة تستقرون عليها . والذلول المنقاد الذي يذل لك والمصدر الذل وهو اللين والانقياد . أي لم يجعل الأرض بحيث يمتنع المشي فيها بالحزونة والغلظة . وقيل : أي ثبتها بالجبال لئلا تزول بأهلها ; ولو كانت تتكفأ متمائلة لما كانت منقادة لنا . وقيل : أشار إلى التمكن من الزرع والغرس وشق العيون والأنهار وحفر الآبار .فامشوا في مناكبها هو أمر إباحة ، وفيه إظهار الامتنان . وقيل : هو خبر بلفظ الأمر ; أي لكي تمشوا في أطرافها ونواحيها وآكامها وجبالها . وقال ابن عباس وقتادة وبشير بن كعب : في مناكبها في جبالها . وروي أن بشير بن كعب كانت له سرية فقال لها : إن أخبرتني ما مناكب الأرض فأنت حرة ؟ فقالت : مناكبها جبالها . فصارت حرة ، فأراد أن يتزوجها فسأل أبا الدرداء فقال : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك . مجاهد : في أطرافها . وعنه أيضا : في طرقها وفجاجها . وقاله السدي والحسن . وقال الكلبي : في جوانبها . ومنكبا الرجل : جانباه . وأصل المنكب الجانب ; ومنه منكب الرجل . والريح النكباء . وتنكب فلان عن فلان . يقول : امشوا حيث أردتم فقد جعلتها لكم ذلولا لا تمتنع . وحكى قتادة عن أبي الجلد أن الأرض أربعة وعشرون ألف فرسخ ; فللسودان اثنا عشر ألفا ، وللروم ثمانية آلاف ، وللفرس ثلاثة آلاف ، وللعرب ألف .وكلوا من رزقه أي مما أحله لكم ; قاله الحسن . وقيل : مما أتيته لكم .وإليه النشور المرجع . وقيل : معناه أن الذي خلق السماء لا تفاوت فيها ، والأرض ذلولا قادر على أن ينشركم .

ءَأَمِنتُم مَّن فِى ٱلسَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلْأَرْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ ﴿16﴾

التفسير:

قوله تعالى : أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمورقال ابن عباس : أأمنتم عذاب من في السماء إن عصيتموه . وقيل : تقديره أأمنتم من في السماء قدرته وسلطانه وعرشه ومملكته . وخص السماء وإن عم ملكه تنبيها على أن الإله الذي تنفذ قدرته في السماء لا من يعظمونه في الأرض . وقيل : هو إشارة إلى الملائكة . وقيل : إلى جبريل وهو الملك الموكل بالعذاب .قلت : ويحتمل أن يكون المعنى : أأمنتم خالق من في السماء أن يخسف بكم الأرض كما خسفها بقارون .فإذا هي تمور أي تذهب وتجيء . والمور : الاضطراب بالذهاب والمجيء . قال الشاعر :رمين فأقصدن القلوب ولن ترى دما مائرا إلا جرى في الحيازمجمع حيزوم وهو وسط الصدر . وإذا خسف بإنسان دارت به الأرض فهو المور . وقال المحققون : أمنتم من فوق السماء ; كقوله : فسيحوا في الأرض أي فوقها لا بالمماسة والتحيز لكن بالقهر والتدبير . وقيل : معناه أمنتم من على السماء ; كقوله تعالى : ولأصلبنكم في جذوع النخل أي عليها . ومعناه أنه مديرها ومالكها ; كما يقال : فلان على العراق والحجاز ; أي واليها وأميرها . والأخبار في هذا الباب كثيرة صحيحة منتشرة ، مشيرة إلى العلو ; لا يدفعها إلا ملحد أو جاهل معاند . والمراد بها توقيره وتنزيهه عن السفل والتحت . ووصفه بالعلو والعظمة لا بالأماكن والجهات والحدود لأنها صفات الأجسام . وإنما ترفع الأيدي بالدعاء إلى السماء لأن السماء مهبط الوحي ، ومنزل القطر ، ومحل القدس ، ومعدن المطهرين من الملائكة ، وإليها ترفع أعمال العباد ، وفوقها عرشه وجنته ; كما جعل الله الكعبة قبلة للدعاء والصلاة ، ولأنه خلق الأمكنة وهو غير محتاج إليها ، وكان في أزله قبل خلق المكان والزمان . ولا مكان له ولا زمان . وهو الآن على ما عليه كان . وقرأ قنبل عن ابن كثير " النشور وامنتم " بقلب الهمزة الأولى واوا وتخفيف الثانية . وقرأ الكوفيون والبصريون وأهل الشام سوى أبي عمرو وهشام بالتخفيف في الهمزتين ، وخفف الباقون . وقد تقدم جميعه .

أَمْ أَمِنتُم مَّن فِى ٱلسَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًۭا ۖ فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ﴿17﴾

التفسير:

قوله تعالى : أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذيرقوله تعالى : أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا أي حجارة من السماء كما أرسلها على قوم لوط وأصحاب الفيل . وقيل : ريح فيها حجارة وحصباء . وقيل : سحاب فيه حجارة .فستعلمون كيف نذير أي إنذاري . وقيل : النذير بمعنى المنذر . يعني محمدا صلى الله عليه وسلم فستعلمون صدقه وعاقبة تكذيبكم .

وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴿18﴾

التفسير:

قوله تعالى : ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكيرقوله تعالى : ولقد كذب الذين من قبلهم يعني كفار الأمم ; كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين وأصحاب الرس وقوم فرعونفكيف كان نكير أي إنكاري وقد تقدم . وأثبت ورش الياء في " نذيري " ، و " نكيري " في الوصل . وأثبتها يعقوب في الحالين . وحذف الباقون اتباعا للمصحف .

أَوَلَمْ يَرَوْا۟ إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَٰٓفَّٰتٍۢ وَيَقْبِضْنَ ۚ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا ٱلرَّحْمَٰنُ ۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَىْءٍۭ بَصِيرٌ ﴿19﴾

التفسير:

قوله تعالى : أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير قوله تعالى : أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات أي كما ذلل الأرض للآدمي ذلل الهواء للطيور . و " صافات " أي باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها ; لأنهن إذا بسطنها صففن قوائمها صفا . ويقبضن أي يضربن بها جنوبهن . قال أبو جعفر النحاس : يقال للطائر إذا بسط جناحيه : صاف ، وإذا ضمهما فأصابا جنبه : قابض ; لأنه يقبضهما . قال أبو خراش :يبادر جنح الليل فهو موائل يحث الجناح بالتبسط والقبضوقيل : ويقبضن أجنحتهن بعد بسطها إذا وقفن من الطيران . وهو معطوف على صافات عطف المضارع على اسم الفاعل ; كما عطف اسم الفاعل على المضارع في قول الشاعر :بات يعشيها بعضب باتر يقصد في أسوقها وجائرما يمسكهن أي ما يمسك الطير في الجو وهي تطير إلا الله عز وجل . إنه بكل شيء بصير .

أَمَّنْ هَٰذَا ٱلَّذِى هُوَ جُندٌۭ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ ٱلرَّحْمَٰنِ ۚ إِنِ ٱلْكَٰفِرُونَ إِلَّا فِى غُرُورٍ ﴿20﴾

التفسير:

قوله تعالى : أم من هذا الذي هو جند لكم قال ابن عباس : حزب ومنعة لكم .ينصركم من دون الرحمن فيدفع عنكم ما أراد بكم إن عصيتموه . ولفظ الجند يوحد ; ولهذا قال : هذا الذي هو جند لكم وهو استفهام إنكار ; أي لا جند لكم يدفع عنكم عذاب الله من دون الرحمن أي من سوى الرحمن .إن الكافرون إلا في غرور من الشياطين ; تغرهم بأن لا عذاب ولا حساب .

أَمَّنْ هَٰذَا ٱلَّذِى يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُۥ ۚ بَل لَّجُّوا۟ فِى عُتُوٍّۢ وَنُفُورٍ ﴿21﴾

التفسير:

قوله تعالى : أم من هذا الذي يرزقكم أي يعطيكم منافع الدنيا . وقيل المطر من آلهتكم .إن أمسك - يعني الله تعالى - رزقه .بل لجوا أي تمادوا وأصروا .في عتو طغيانونفور عن الحق

أَفَمَن يَمْشِى مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِۦٓ أَهْدَىٰٓ أَمَّن يَمْشِى سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ ﴿22﴾

التفسير:

قوله تعالى : أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيمقوله تعالى : أفمن يمشي مكبا على وجهه ضرب الله مثلا للمؤمن والكافر مكبا أي منكسا رأسه لا ينظر أمامه ولا يمينه ولا شماله ; فهو لا يأمن من العثور والانكباب على وجهه . كمن يمشي سويا معتدلا ناظرا ما بين يديه وعن يمينه وعن شماله . قال ابن عباس : هذا في الدنيا ; ويجوز أن يريد به الأعمى الذي لا يهتدي إلى الطريق فيعتسف ; فلا يزال ينكب على وجهه . وأنه ليس كالرجل السوي الصحيح البصير الماشي في الطريق المهتدي له . وقال قتادة : هو الكافر أكب على معاصي الله في الدنيا فحشره الله يوم القيامة على وجهه . وقال ابن عباس والكلبي : عنى بالذي يمشي مكبا على وجهه أبا جهل ، وبالذي يمشي سويا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل : أبو بكر . وقيل : حمزة . وقيل : عمار بن ياسر ; قاله عكرمة . وقيل : هو عام في الكافر والمؤمن ; أي أن الكافر لا يدري أعلى حق هو أم على باطل . أي أهذا الكافر أهدى أو المسلم الذي يمشي سويا معتدلا يبصر للطريق وهو على صراط مستقيم وهو الإسلام . ويقال : أكب الرجل على وجهه ; فيما لا يتعدى بالألف . فإذا تعدى قيل : كبه الله لوجهه ; بغير ألف .

قُلْ هُوَ ٱلَّذِىٓ أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلْأَبْصَٰرَ وَٱلْأَفْـِٔدَةَ ۖ قَلِيلًۭا مَّا تَشْكُرُونَ ﴿23﴾

التفسير:

قوله تعالى : قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرونقوله تعالى : قل هو الذي أنشأكم أمر نبيه أن يعرفهم قبح شركهم مع اعترافهم بأن الله خلقهم .وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة يعني القلوبقليلا ما تشكرون أي لا تشكرون هذه النعم ، ولا توحدون الله تعالى . تقول : قلما أفعل كذا ; أي لا أفعله .

قُلْ هُوَ ٱلَّذِى ذَرَأَكُمْ فِى ٱلْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴿24﴾

التفسير:

قوله تعالى : قل هو الذي ذرأكم في الأرض أي خلقكم في الأرض ; قاله ابن عباس . وقيل : نشركم فيها وفرقكم على ظهرها ; قاله ابن شجرة .وإليه تحشرون حتى يجازي كلا بعمله .

وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ ﴿25﴾

التفسير:

ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين أي متى يوم القيامة ومتى هذا العذاب الذي تعدوننا به وهذا استهزاء منهم . وقد تقدم .

قُلْ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَا۠ نَذِيرٌۭ مُّبِينٌۭ ﴿26﴾

التفسير:

قوله تعالى : قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبينقوله تعالى : قل إنما العلم عند الله أي قل لهم يا محمد علم وقت قيام الساعة عند الله فلا يعلمه غيره . نظيره : قل إنما علمها عند ربي . الآية .وإنما أنا نذير مبين أي مخوف ومعلم لكم .

فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةًۭ سِيٓـَٔتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَقِيلَ هَٰذَا ٱلَّذِى كُنتُم بِهِۦ تَدَّعُونَ ﴿27﴾

التفسير:

قوله تعالى : فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعونقوله تعالى : فلما رأوه زلفة مصدر بمعنى مزدلفا أي قريبا ; قاله مجاهد . الحسن : عيانا . وأكثر المفسرين على أن المعنى : فلما رأوه يعني العذاب ، وهو عذاب الآخرة . وقال مجاهد : يعني عذاب بدر . وقيل : أي رأوا ما وعدوا من الحشر قريبا منهم . ودل عليه تحشرون . وقال ابن عباس : لما رأوا عملهم السيئ قريبا .سيئت وجوه الذين كفروا أي فعل بها السوء . وقال الزجاج : تبين فيها السوء أي ساءهم ذلك العذاب وظهر على وجوههم سمة تدل على كفرهم ; كقوله تعالى : يوم تبيض وجوه وتسود وجوه . وقرأ نافع وابن محيصن وابن عامر والكسائي " سئت " بإشمام الضم . وكسر الباقون بغير إشمام طلبا للخفة . ومن ضم لاحظ الأصل .وقيل هذا الذي كنتم به تدعون قال الفراء : تدعون تفتعلون من الدعاء وهو قول أكثر العلماء أي تتمنون وتسألون . وقال ابن عباس : تكذبون ; وتأويله : هذا الذي كنتم من أجله تدعون الأباطيل والأحاديث ; قاله الزجاج . وقراءة العامة " تدعون " بالتشديد ، وتأويله ما ذكرناه . وقرأ قتادة وابن أبي إسحاق والضحاك ويعقوب " تدعون " مخففة . قال قتادة : هو قولهم " ربنا عجل لنا " قطنا . وقال الضحاك : هو قولهم : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء الآية . وقال أبو العباس : تدعون تستعجلون ; يقال : دعوت بكذا إذا طلبته ; وادعيت افتعلت منه . النحاس : " تدعون وتدعون " بمعنى واحد ; كما يقال : قدر واقتدر ، وعدا واعتدى ; إلا أن في " افتعل " معنى شيء بعد شيء ، و " فعل " يقع على القليل والكثير .

قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِىَ ٱللَّهُ وَمَن مَّعِىَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ ٱلْكَٰفِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍۢ ﴿28﴾

التفسير:

قوله تعالى : قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم قوله تعالى : قل أرأيتم إن أهلكني الله أي قل لهم يا محمد - يريد مشركي مكة ، وكانوا يتمنون موت محمد صلى الله عليه وسلم ; كما قال تعالى : أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون - أرأيتم إن متنا أو رحمنا فأخرت آجالنا فمن يجيركم من عذاب الله ; فلا حاجة بكم إلى التربص بنا ولا إلى استعجال قيام الساعة . وأسكن الياء في " أهلكني " ابن محيصن والمسيبي وشيبة والأعمش وحمزة . وفتحها الباقون . وكلهم فتح الياء في " ومن معي " إلا أهل الكوفة فإنهم سكنوها . وفتحها حفص كالجماعة .

قُلْ هُوَ ٱلرَّحْمَٰنُ ءَامَنَّا بِهِۦ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ۖ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِى ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍۢ ﴿29﴾

التفسير:

قوله تعالى : قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين قوله تعالى : قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون قرأ الكسائي بالياء على الخبر ; ورواه عن علي . الباقون بالتاء على الخطاب . وهو تهديد لهم . ويقال : لم أخر مفعول آمنا وقدم مفعول توكلنا فيقال : لوقوع آمنا تعريضا بالكافرين حين ورد عقيب ذكرهم . كأنه قيل : آمنا ولم نكفر كما كفرتم . ثم قال " وعليه توكلنا " خصوصا لم نتكل على ما أنتم متكلون عليه من رجالكم وأموالكم ; قاله الزمخشري .

قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْرًۭا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَآءٍۢ مَّعِينٍۭ ﴿30﴾

التفسير:

قوله تعالى : قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معينقوله تعالى : قل أرأيتم يا معشر قريشإن أصبح ماؤكم غورا أي غائرا ذاهبا في الأرض لا تناله الدلاء . وكان ماؤهم من بئرين : بئر زمزم وبئر ميمون .فمن يأتيكم بماء معين أي جار ; قاله قتادة والضحاك . فلا بد لهم من أن يقولوا لا يأتينا به إلا الله ; فقل لهم لم تشركون به من لا يقدر على أن يأتيكم . يقال : غار الماء يغور غورا ; أي نضب . والغور : الغائر ; وصف بالمصدر للمبالغة ; كما تقول : رجل عدل ورضا . وقد مضى في سورة " الكهف " ومضى القول في المعنى في سورة " المؤمنون " والحمد لله . وعن ابن عباس : بماء معين أي ظاهر تراه العيون ; فهو مفعول . وقيل : هو من معن الماء أي كثر ; فهو على هذا فعيل . وعن ابن عباس أيضا أن المعنى فمن يأتيكم بماء عذب . والله أعلم .ختمت السورة والحمد لله رب العالمين

مشغل القرآن
لا يوجد سورة محددة

-

00:00 / 00:00
إحصائيات المنتدى
عدد المواضيع في المنتدى 1,424
عدد المشاركات في المنتدى 0
عدد الاعضاء في الموقع 9
المستخدمين المتصلين 0
آخر عضو مسجل Richard Edward
الأعضاء المتصلون
المجموع: 0 عضو متصل