بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ ﴿1﴾
التفسير:
مكية( عم ) أصله : " عن ما " فأدغمت النون في الميم وحذفت ألف " ما " [ كقوله ] " فيم " و " بم " ؟ ( يتساءلون ) أي : عن أي شيء يتساءلون ، هؤلاء المشركون ؟ وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما دعاهم إلى التوحيد وأخبرهم بالبعث بعد الموت ، وتلا عليهم القرآن جعلوا يتساءلون بينهم فيقولون : ماذا جاء به محمد ؟ قال الزجاج : اللفظ لفظ استفهام ومعناه التفخيم ، كما تقول : أي شيء زيد ؟ إذا عظمت [ أمره ] وشأنه .
عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ ﴿2﴾
التفسير:
ثم ذكر أن تساؤلهم عماذا فقال : ( عن النبإ العظيم ) قال مجاهد والأكثرون : هو القرآن ، دليله : قوله : " قل هو نبأ عظيم " ( ص - 67 ) وقال قتادة : هو البعث .
ٱلَّذِى هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ﴿3﴾
التفسير:
"الذي هم فيه مختلفون"، فمصدق ومكذب.
كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ﴿4﴾
التفسير:
"كلا سيعلمون" "كلا" نفي لقولهم، "سيعلمون" عاقبة حين تنكشف الأمور.
ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ﴿5﴾
التفسير:
"ثم كلا سيعلمون"، وعيد لهم على أثر وعيد. وقال الضحاك: "كلا سيعلمون" يعني: الكافرين، "ثم كلا سيعلمون" يعني: المؤمنين.
أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلْأَرْضَ مِهَٰدًۭا ﴿6﴾
التفسير:
ثم ذكر صنائعه ليعلموا توحيده فقال: "ألم نجعل الأرض مهاداً"، فراشاً.
وَٱلْجِبَالَ أَوْتَادًۭا ﴿7﴾
التفسير:
"والجبال أوتاداً"، للأرض حتى لا تميد.
وَخَلَقْنَٰكُمْ أَزْوَٰجًۭا ﴿8﴾
التفسير:
"وخلقناكم أزواجاً"، أصنافاً ذكوراً وإناثاً.
وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًۭا ﴿9﴾
التفسير:
"وجعلنا نومكم سباتاً"، أي راحة لأبدانكم. قال الزجاج: السبات: أن ينقطع عن الحركة والروح فيه. وقيل: معناه جعلنا نومكم قطعاً لأعمالكم، لأن أصل السبت: القطع.
وَجَعَلْنَا ٱلَّيْلَ لِبَاسًۭا ﴿10﴾
التفسير:
"وجعلنا الليل لباساً"، غطاء وغشاء يستر كل شيء بظلمته.
وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشًۭا ﴿11﴾
التفسير:
"وجعلنا النهار معاشاً"، المعاش: العيش، وكل ما يعاش فيه فهو معاش، أي جعلنا النهار سبباً للمعاش والتصرف في المصالح. قال ابن عباس: يريد: تبتغون فيه من فضل الله، وما قسم لكم من رزقه.
وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًۭا شِدَادًۭا ﴿12﴾
التفسير:
"وبنينا فوقكم سبعاً شداداً"، يريد سبع سموات.
وَجَعَلْنَا سِرَاجًۭا وَهَّاجًۭا ﴿13﴾
التفسير:
"وجعلنا سراجاً"، يعني الشمس، "وهاجاً"، مضيئاً منيراً. قال الزجاج: الوهاج: الوقاد. قال مقاتل: جعل فيه نوراً وحرارة، والوهج يجمع النور والحرارة. .
وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَٰتِ مَآءًۭ ثَجَّاجًۭا ﴿14﴾
التفسير:
( وأنزلنا من المعصرات ) قال مجاهد ، وقتادة ، ومقاتل ، والكلبي : يعني الرياح التي تعصر السحاب ، وهي رواية العوفي عن ابن عباس .قال الأزهري : هي الرياح ذوات الأعاصير ، فعلى هذا التأويل تكون " من " بمعنى الباء أي بالمعصرات ، وذلك أن الريح تستدر المطر .وقال أبو العالية ، والربيع ، والضحاك : المعصرات هي السحاب وهي رواية الوالبي عن ابن عباس .قال الفراء : [ المعصرات السحائب ] [ التي ] تتحلب بالمطر ولا تمطر ، كالمرأة المعصر هي التي دنا حيضها ولم تحض .وقال ابن كيسان : هي المغيثات من قوله فيه يغاث الناس وفيه يعصرونوقال الحسن ، وسعيد بن جبير ، وزيد بن أسلم ، ومقاتل بن حيان : من المعصرات أي من السماوات .( ماء ثجاجا ) أي صبابا ، وقال مجاهد : مدرارا . وقال قتادة : متتابعا يتلو بعضه بعضا . وقال ابن زيد : كثيرا .
لِّنُخْرِجَ بِهِۦ حَبًّۭا وَنَبَاتًۭا ﴿15﴾
التفسير:
"لنخرج به"، أي بذلك الماء، "حباً"، وهو ما يأكله الناس، "ونباتاً"، ما تنبته الأرض مما تأكله الأنعام.
وَجَنَّٰتٍ أَلْفَافًا ﴿16﴾
التفسير:
"وجنات ألفافاً" ملتفة بالشجر، واحدها لف ولفيف، وقيل: هو جمع الجمع، يقال: جنة لفا، وجمعها لف، بضم اللام، وجمع الجمع ألفاف.
إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَٰتًۭا ﴿17﴾
التفسير:
"إن يوم الفصل"، يوم القضاء بين الخلق، "كان ميقاتاً"، لما وعد الله تعالى من الثواب والعقاب.
يَوْمَ يُنفَخُ فِى ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًۭا ﴿18﴾
التفسير:
"يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً"، زمراً زمراً من كل مكان للحساب.
وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَٰبًۭا ﴿19﴾
التفسير:
"وفتحت السماء"، قرأ أهل الكوفة: فتحت بالتخفيف، وقرأ الآخرون بالتشديد، أي شقت لنزول الملائكة، "فكانت أبواباً"، أي ذات أبواب. وقيل: تنحل وتتناثر حتى تصير فيها أبواب وطرق.
وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ﴿20﴾
التفسير:
"وسيرت الجبال"، عن وجه الأرض، "فكانت سراباً"، أي هباءً منبثاً لعين الناظر كالسراب.
إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًۭا ﴿21﴾
التفسير:
وقوله : " إن جهنم كانت مرصادا " أي ترصد الكفار .وروى مقسم عن ابن عباس : أن على جسر جهنم سبعة محابس يسأل العبد عند أولها عن شهادة أن لا إله إلا الله ، فإن [ أجابها ] تامة جاز إلى الثاني ، فيسأل عن الصلاة ، فإن [ أجابها ] تامة جاز إلى الثالث ، فيسأل عن الزكاة ، فإن [ أجابها ] تامة جاز إلى الرابع ، فيسأل عن الصوم فإن جاء به تاما جاز إلى الخامس ، فيسأل عن الحج فإن جاء به تاما جاز إلى السادس ، فيسأل عن العمرة فإن [ أجابها ] تامة جاز إلى السابع ، فيسأل عن المظالم فإن خرج منها وإلا يقال : انظروا فإن كان له تطوع أكمل به أعماله ، فإذا فرغ منه انطلق به إلى الجنة
لِّلطَّٰغِينَ مَـَٔابًۭا ﴿22﴾
التفسير:
"للطاغين"، للكافرين، "مآباً"، مرجعاً يرجعون إليه.
لَّٰبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَابًۭا ﴿23﴾
التفسير:
( لابثين ) قرأ حمزة ويعقوب : " لبثين " بغير ألف ، وقرأ العامة " لابثين " [ بالألف ] وهما لغتان . ( فيها أحقابا ) جمع حقب ، والحقب الواحد : ثمانون سنة ، كل سنة اثنا عشر شهرا ، كل شهر ثلاثون يوما ، كل يوم ألف سنة . روي ذلك عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - .وقال مجاهد : " الأحقاب " ثلاثة وأربعون حقبا كل حقب سبعون خريفا ، كل خريف سبعمائة سنة ، كل سنة ثلاثمائة وستون يوما ، كل يوم ألف سنة .قال الحسن : إن الله لم يجعل لأهل النار مدة ، بل قال : " لابثين فيها أحقابا " فوالله ما هو إلا [ إذا ] مضى حقب دخل آخر ثم آخر إلى الأبد ، فليس للأحقاب عدة إلا الخلود .وروى السدي عن مرة عن عبد الله قال : لو علم أهل النار أنهم يلبثون في النار عدد حصى الدنيا لفرحوا ، ولو علم أهل الجنة أنهم يلبثون في الجنة عدد حصى الدنيا لحزنوا .وقال مقاتل بن حيان : الحقب الواحد سبع عشرة ألف سنة . قال : وهذه الآية منسوخة نسختها فلن نزيدكم إلا عذابا يعني أن العدد قد ارتفع والخلود قد حصل .
لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًۭا وَلَا شَرَابًا ﴿24﴾
التفسير:
( لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا ) روي عن ابن عباس : أن البرد النوم ، ومثله قال الكسائي و [ قال ] أبو عبيدة ، تقول العرب : منع البرد البرد أي أذهب البرد النوم . وقال الحسن وعطاء : " لا يذوقون فيها بردا " أي : روحا وراحة . وقال مقاتل : " لا يذوقون فيها بردا " ينفعهم من حر ، " ولا شرابا " ينفعهم من عطش .
إِلَّا حَمِيمًۭا وَغَسَّاقًۭا ﴿25﴾
التفسير:
"إلا حميماً وغساقاً"، قال ابن عباس: الغساق: الزمهرير يحرقهم ببرده. وقيل: صديد أهل النار، وقد ذكرناه في سورة ص.
جَزَآءًۭ وِفَاقًا ﴿26﴾
التفسير:
"جزاءً وفاقاً"، أي جزيناهم جزاء وافق أعمالهم. قال مقاتل: وافق العذاب الذنب، فلا ذنب أعظم من الشرك، ولا عذاب أعظم من النار.
إِنَّهُمْ كَانُوا۟ لَا يَرْجُونَ حِسَابًۭا ﴿27﴾
التفسير:
"إنهم كانوا لا يرجون حساباً"، لا يخافون أن يحاسبوا، والمعنى: أنهم كانوا لا يؤمنون بالبعث ولا بأنهم محاسبون.
وَكَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَا كِذَّابًۭا ﴿28﴾
التفسير:
"وكذبوا بآياتنا"، أي بما جاءت به الأنبياء، "كذاباً"، تكذيباً، قال الفراء: هي لغة يمانية فصيحة، يقولون في مصدر التفعيل فعال وقال: قال لي أعرابي منهم على المروة يستفتيني: الحلق أحب إليك أم القصار؟.
وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَٰهُ كِتَٰبًۭا ﴿29﴾
التفسير:
"وكل شيء أحصيناه كتاباً"، أي وكل شيء من الأعمال بيناه في اللوح المحفوظ، كقوله: "وكل شيء أحصيناه في إمام مبين" (يس- 12).
فَذُوقُوا۟ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا ﴿30﴾
التفسير:
"فذوقوا"، أي يقال لهم: فذوقوا، "فلن نزيدكم إلا عذاباً".
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ﴿31﴾
التفسير:
قوله عز وجل: "إن للمتقين مفازاً"، فوزاً ونجاةً من النار، وقال الضحاك: متنزهاً.
حَدَآئِقَ وَأَعْنَٰبًۭا ﴿32﴾
التفسير:
"حدائق وأعناباً"، يريد أشجار الجنة وثمارها.
وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًۭا ﴿33﴾
التفسير:
"وكواعب"، جواري نواهد قد تكعبت ثديهن، واحدتها كاعب، "أتراباً"، مستويات في السن.
وَكَأْسًۭا دِهَاقًۭا ﴿34﴾
التفسير:
"وكأساً دهاقاً"، قال ابن عباس والحسن وقتادة وابن زيد: مترعة مملوءة. وقال سعيد بن جبير ومجاهد: متتابعة. قال عكرمة: صافية.
لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًۭا وَلَا كِذَّٰبًۭا ﴿35﴾
التفسير:
"لا يسمعون فيها لغواً"، باطلاً من الكلام، "ولا كذاباً"، تكذيباً، لا يكذب بعضهم بعضاً. وقرأ الكسائي "كذاباً" بالتخفيف مصدر كاذب كالمكاذبة، وقيل: هو الكذب. وقل: هو بمعنى التكذيب كالمشدد.
جَزَآءًۭ مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَابًۭا ﴿36﴾
التفسير:
"جزاءً من ربك عطاءً حساباً"، أي جازاهم جزاء وأعطاهم عطاء "حساباً" أي: كافياً وافياً، يقال: أحسبت فلاناً، أي أعطيته ما يكفيه حتى قال حسبي. وقال ابن قتيبة: "عطاءً حساباً" أي كثيراً. وقيل: هو جزاء بقدر أعمالهم.
رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلرَّحْمَٰنِ ۖ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًۭا ﴿37﴾
التفسير:
( رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن ) قرأ أهل الحجاز ، وأبو عمرو : " رب " رفع على الاستئناف و " الرحمن " خبره . وقرأ الآخرون بالجر إتباعا لقوله : " من ربك " وقرأ ابن عامر ، وعاصم ، ويعقوب : " الرحمن " جرا إتباعا لقوله : " رب السماوات " وقرأ الآخرون بالرفع ، فحمزة والكسائي يقرآن " رب " بالخفض لقربه من قوله : " جزاء من ربك " ويقرآن " الرحمن " بالرفع لبعده منه على الاستئناف ، وقوله : ( لا يملكون ) في موضع رفع ، خبره .ومعنى ( لا يملكون منه خطابا ) قال مقاتل : لا يقدر الخلق على أن يكلموا الرب إلا بإذنه . وقال الكلبي : لا يملكون شفاعة إلا بإذنه .
يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةُ صَفًّۭا ۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَٰنُ وَقَالَ صَوَابًۭا ﴿38﴾
التفسير:
( يوم يقوم الروح ) أي في ذلك اليوم ( والملائكة صفا ) واختلفوا في هذا الروح ، قال الشعبي والضحاك : هو جبريل .وقال عطاء عن ابن عباس : " الروح " ملك من الملائكة ما خلق الله مخلوقا أعظم منه ، فإذا كان يوم القيامة قام وحده صفا وقامت الملائكة كلهم صفا واحدا ، فيكون عظم خلقه مثلهم .وعن ابن مسعود قال : الروح ملك أعظم من السماوات ومن الجبال ، ومن الملائكة وهو في السماء الرابعة ، يسبح كل يوم اثني عشر [ ألف ] تسبيحة ، يخلق من كل تسبيحة ملك يجيء يوم القيامة صفا وحده .وقال مجاهد ، وقتادة ، وأبو صالح : " الروح " خلق على صورة بني آدم ليسوا بناس يقومون صفا والملائكة صفا ، هؤلاء جند وهؤلاء جند .وروى مجاهد عن ابن عباس قال : هم خلق على صورة بني آدم وما ينزل من السماء ملك إلا معه واحد منهم .وقال الحسن : هم بنو آدم . ورواه قتادة عن ابن عباس ، وقال : هذا مما كان يكتمه ابن عباس ." والملائكة صفا " قال الشعبي : هما سماطا رب العالمين ، يوم يقوم سماط من الروح وسماط من الملائكة .( لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ) في الدنيا ، أي حقا . وقيل : قال : لا إله إلا الله .
ذَٰلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ ۖ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ مَـَٔابًا ﴿39﴾
التفسير:
"ذلك اليوم الحق"، الكائن الواقع يعني يوم القيامة، "فمن شاء اتخذ إلى ربه مآباً"، مرجعاً وسبيلاً بطاعته، أي: فمن شاء رجع إلى الله بطاعته.
إِنَّآ أَنذَرْنَٰكُمْ عَذَابًۭا قَرِيبًۭا يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يَٰلَيْتَنِى كُنتُ تُرَٰبًۢا ﴿40﴾
التفسير:
( إنا أنذرناكم عذابا قريبا ) يعني العذاب في الآخرة ، وكل ما هو آت قريب . ( يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ) أي كل امرئ يرى في ذلك اليوم ما قدم من العمل مثبتا في صحيفته ، ( ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا )قال عبد الله بن عمرو : إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم ، وحشرت الدواب والبهائم والوحوش ، ثم يجعل القصاص بين البهائم حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء تنطحها ، فإذا فرغ من القصاص قيل لها : كوني ترابا ، فعند ذلك يقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا ومثله عن مجاهد .وقال مقاتل : يجمع الله الوحوش والهوام والطير فيقضي بينهم حتى يقتص للجماء من القرناء ، ثم يقول لهم : أنا خلقتكم وسخرتكم لبني آدم وكنتم مطيعين إياهم أيام حياتكم ، فارجعوا إلى الذي كنتم ، كونوا ترابا ، فإذا التفت الكافر إلى شيء صار ترابا ، يتمنى فيقول : يا ليتني كنت في الدنيا في صورة خنزير ، وكنت اليوم ترابا .وعن [ أبي الزناد عبد الله بن ذكوان ] قال : إذا قضى الله بين الناس وأمر أهل الجنة إلى الجنة ، وأهل النار إلى النار ، وقيل لسائر الأمم ولمؤمني الجن عودوا ترابا فيعودون ترابا ، فحينئذ يقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا وبه قال ليث بن [ أبي ] سليم ، مؤمنو الجن يعودون تراباوقيل : إن الكافر هاهنا إبليس وذلك أنه عاب آدم وأنه خلق من التراب وافتخر بأنه خلق من النار ، فإذا عاين يوم القيامة ما فيه آدم وبنوه المؤمنون من الثواب والرحمة ، وما هو فيه من الشدة والعذاب ، قال : يا ليتني كنت ترابا قال أبو هريرة فيقول : التراب لا ولا كرامة لك ، من جعلك مثلي ؟
-