بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ لَآ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ ﴿1﴾
التفسير:
مكية( لا أقسم بيوم القيامة ) قرأ القواس عن ابن كثير : " لأقسم " الحرف الأول بلا ألف قبل الهمزة .
وَلَآ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ ﴿2﴾
التفسير:
( ولا أقسم بالنفس اللوامة ) بالألف ، وكذلك قرأ عبد الرحمن الأعرج ، على معنى أنه أقسم بيوم القيامة ، ولم يقسم بالنفس [ اللوامة ] والصحيح أنه أقسم بهما جميعا و " لا " صلة فيهما أي أقسم بيوم القيامة وبالنفس اللوامة .وقال أبو بكر بن عياش : هو تأكيد للقسم كقولك : لا والله .وقال الفراء : " لا " رد كلام المشركين المنكرين ، ثم ابتدأ فقال : أقسم بيوم القيامة وأقسم بالنفس اللوامة .وقال المغيرة بن شعبة : يقولون : القيامة ، وقيامة أحدهم موته . وشهد علقمة جنازة فلما دفنت قال : أما هذا فقد قامت قيامته .( ولا أقسم بالنفس اللوامة ) قال سعيد بن جبير وعكرمة : تلوم على الخير والشر ، ولا تصبر على السراء والضراء .وقال قتادة : اللوامة : الفاجرة .وقال مجاهد : تندم على ما فات وتقول : لو فعلت ، ولو لم أفعل .قال الفراء : ليس من نفس برة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها ، إن كانت عملت خيرا قالت : هلا ازددت ، وإن عملت شرا قالت : يا ليتني لم أفعل قال الحسن : هي النفس المؤمنة ، قال : إن المؤمن - والله - ما تراه إلا يلوم نفسه ، ما أردت بكلامي ؟ ما أردت بأكلتي ؟ وإن الفاجر يمضي قدما لا يحاسب نفسه ولا يعاتبها .وقال مقاتل : هي النفس الكافرة تلوم نفسها في الآخرة على ما فرطت في أمر الله في الدنيا .
أَيَحْسَبُ ٱلْإِنسَٰنُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُۥ ﴿3﴾
التفسير:
( أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه ) نزلت في عدي بن ربيعة ، حليف بني زهرة ، ختن الأخنس بن شريق الثقفي ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : اللهم اكفني جاري السوء ، يعني : عديا والأخنس . وذلك أن عدي بن ربيعة أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا محمد حدثني عن القيامة متى تكون وكيف أمرها وحالها ؟ فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك ولم أؤمن [ بك ] أويجمع يجمع الله العظام ؟ فأنزل الله - عز وجل - : " أيحسب الإنسان " يعني الكافر ( ألن نجمع عظامه ) بعد التفرق والبلى فنحييه . قيل : ذكر العظام وأراد نفسه لأن العظام قالب النفس لا يستوي الخلق إلا باستوائها . وقيل : هو خارج على قول المنكر أو يجمع الله العظام كقوله : " قال من يحيي العظام وهي رميم " ( يس - 78 ) .
بَلَىٰ قَٰدِرِينَ عَلَىٰٓ أَن نُّسَوِّىَ بَنَانَهُۥ ﴿4﴾
التفسير:
( بلى قادرين ) أي نقدر ، استقبال صرف إلى الحال ، قال الفراء " قادرين " نصب على الخروج من نجمع ، كما تقول في الكلام أتحسب أن لا نقوى عليك ؟ بلى قادرين على أقوى منك ، يريد : بل قادرين على أكثر من ذامجاز الآية : بلى نقدر على جمع عظامه وعلى ما هو أعظم من ذلك ، وهو ( على أن نسوي بنانه ) أنامله ، فنجعل أصابع يديه ورجليه شيئا واحدا كخف البعير وحافر الحمار ، فلا يرتفق بها [ بالقبض ] والبسط والأعمال اللطيفة كالكتابة والخياطة وغيرها . هذا قول أكثر المفسرين .وقال الزجاج وابن قتيبة : معناه : ظن الكافر أنا لا نقدر على جمع عظامه ، بلى نقدر على أن نعيد السلاميات على صغرها ، فنؤلف بينها حتى نسوي البنان ، فمن قدر على جمع صغار العظام فهو على جمع كبارها أقدر
بَلْ يُرِيدُ ٱلْإِنسَٰنُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُۥ ﴿5﴾
التفسير:
( بل يريد الإنسان ليفجر أمامه ) يقول لا يجهل ابن آدم أن ربه قادر على جمع عظامه لكنه يريد أن يفجر أمامه ، أي : يمضي قدما [ على ] معاصي الله ما عاش راكبا رأسه لا ينزع عنها ولا يتوب ، هذا قول مجاهد ، والحسن ، وعكرمة ، والسدي .وقال سعيد بن جبير : " ليفجر أمامه " يقدم على الذنب ويؤخر التوبة ، فيقول : سوف أتوب ، سوف أعمل حتى يأتيه الموت على شر أحواله وأسوأ أعماله .وقال الضحاك : هو الأمل ، يقول : أعيش فأصيب من الدنيا كذا وكذا [ ولا يذكر الموت ] .وقال ابن عباس ، وابن زيد : يكذب بما أمامه من البعث والحساب . وأصل " الفجور " الميل ، وسمي الفاسق والكافر : فاجرا ، لميله عن الحق .
يَسْـَٔلُ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَٰمَةِ ﴿6﴾
التفسير:
"يسأل أيان يوم القيامة"، أي متى يكون ذلك، تكذيباً به.
فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ ﴿7﴾
التفسير:
قال الله تعالى : ( فإذا برق البصر ) قرأ أهل المدينة " برق " بفتح الراء ، وقرأ الآخرون بكسرها ، وهما لغتان .قال قتادة ومقاتل : شخص البصر فلا يطرف مما يرى من العجائب التي كان يكذب بها في الدنيا . قيل : ذلك عند الموت .وقال الكلبي : عند رؤية جهنم برق أبصار الكفار .وقال الفراء والخليل " برق " - بالكسر - أي : فزع وتحير لما يرى من العجائب و " برق " بالفتح ، أي : شق عينه وفتحها ، من البريق ، وهو التلألؤ
وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ ﴿8﴾
التفسير:
"وخسف القمر" أظلم وذهب نوره وضوءه.
وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ ﴿9﴾
التفسير:
( وجمع الشمس والقمر ) أسودين مكورين كأنهما ثوران عقيران . وقيل : يجمع بينهما في ذهاب الضياء . وقال عطاء بن يسار : يجمعان يوم القيامة ثم يقذفان في البحر فيكونان نار الله الكبرى .
يَقُولُ ٱلْإِنسَٰنُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ ﴿10﴾
التفسير:
"يقول الإنسان"، أي الكافر المكذب "يومئذ أين المفر"، أي: المهرب، وهو موضع الفرار. وقيل: هو مصدر، أي: أين الفرار.
كَلَّا لَا وَزَرَ ﴿11﴾
التفسير:
قال الله تعالى: "كلا لا وزر"، لا حصن ولا حرز ولا ملجأ. وقال السدي: لا جبل وكانوا إذا فزعوا لجؤوا إلى الجبل فتحصنوا به. فقال الله تعالى: لا جبل يومئذ يمنعهم.
إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ ﴿12﴾
التفسير:
( إلى ربك يومئذ المستقر ) أي مستقر الخلق .وقال عبد الله بن مسعود : المصير والمرجع ، نظيره : قوله تعالى : إلى ربك الرجعى ( العلق - 8 ) " وإلى الله المصير " ( آل عمران - 28 ) ( النور - 42 ) ( فاطر - 18 ) .وقال السدي : المنتهى ، نظيره : وأن إلى ربك المنتهى ( النجم - 42 ) .
يُنَبَّؤُا۟ ٱلْإِنسَٰنُ يَوْمَئِذٍۭ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴿13﴾
التفسير:
( ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ) [ قال ابن مسعود وابن عباس : " بما قدم " قبل موته من عمل صالح وسيئ ، وما أخر : بعد موته من سنة حسنة أو سيئة يعمل بها .وقال عطية عن ابن عباس : " بما قدم " من المعصية " وأخر " من الطاعة .وقال قتادة : بما قدم من طاعة الله ، وأخر من حق الله فضيعه .وقال مجاهد : بأول عمله وآخره . وقال عطاء : بما قدم في أول عمره وما أخر في آخر عمره .وقال زيد بن أسلم : بما قدم من أمواله لنفسه وما أخر خلفه للورثة
بَلِ ٱلْإِنسَٰنُ عَلَىٰ نَفْسِهِۦ بَصِيرَةٌۭ ﴿14﴾
التفسير:
( بل الإنسان على نفسه بصيرة ) قال عكرمة ، ومقاتل ، والكلبي : معناه بل الإنسان على نفسه من نفسه رقباء يرقبونه ويشهدون عليه بعمله ، وهي سمعه وبصره وجوارحه ودخل الهاء في البصيرة لأن المراد بالإنسان هاهنا جوارحه ، ويحتمل أن يكون معناه " بل الإنسان على نفسه بصيرة " يعني : لجوارحه ، فحذف حرف الجر كقوله : " وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم " ( البقرة - 233 ) أي لأولادكم . ويجوز أن يكون نعتا لاسم مؤنث أي بل الإنسان على نفسه عين بصيرة .وقال أبو العالية ، وعطاء : بل الإنسان على نفسه شاهد ، وهي رواية العوفي عن ابن عباس ، والهاء في " بصيرة " للمبالغة ، دليل هذا التأويل . قوله - عز وجل - : " كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا " ( الإسراء - 14 ) .
وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُۥ ﴿15﴾
التفسير:
( ولو ألقى معاذيره ) يعني يشهد عليه الشاهد ولو اعتذر وجادل عن نفسه لم ينفعه ، كما قال تعالى : " يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم " ( غافر - 52 ) وهذا قول مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير وابن زيد وعطاء : قال الفراء : ولو اعتذر فعليه من نفسه من يكذب عذره ومعنى الإلقاء : القول ، كما قال : فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون ( النحل - 86 ) . وقال الضحاك والسدي : " ولو ألقى معاذيره " يعني : ولو أرخى الستور وأغلق الأبواب . وأهل اليمن يسمون الستر : معذارا ، وجمعه : معاذير ، ومعناه على هذا القول : وإن أسبل الستر ليخفي ما يعمل ، فإن نفسه شاهدة عليه .
لَا تُحَرِّكْ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِۦٓ ﴿16﴾
التفسير:
قوله - عز وجل - ( لا تحرك به لسانك لتعجل به )أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا جرير ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله - عز وجل - : " لا تحرك به لسانك لتعجل به " قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل [ عليه ] جبريل بالوحي كان ربما يحرك لسانه وشفتيه فيشتد عليه ، وكان يعرف منه ، فأنزل الله - عز وجل - الآية التي في لا أقسم بيوم القيامة : " لا تحرك به لسانك لتعجل به "
إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُۥ وَقُرْءَانَهُۥ ﴿17﴾
التفسير:
"إن علينا جمعه وقرآنه"، قال علينا أن نجمعه في صدرك، وقرآنه.
فَإِذَا قَرَأْنَٰهُ فَٱتَّبِعْ قُرْءَانَهُۥ ﴿18﴾
التفسير:
"فإذا قرأناه فاتبع قرآنه"، فإذا أنزلناه فاستمع.
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُۥ ﴿19﴾
التفسير:
( ثم إن علينا بيانه ) علينا أن نبينه بلسانك . قال : فكان إذا أتاه جبريل - عليه السلام - أطرق فإذا ذهب قرأه كما وعده الله - عز وجل - ، ورواه محمد بن إسماعيل ، عن عبد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن موسى بن أبي عائشة بهذا الإسناد وقال : كان يحرك شفتيه إذا نزل عليه ، يخشى أن ينفلت منه ، فقيل له : " لا تحرك به لسانك " " إن علينا جمعه " أن نجمعه في صدرك " وقرآنه " أن تقرأه .
كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ ﴿20﴾
التفسير:
"كلا بل تحبون العاجلة".
وَتَذَرُونَ ٱلْءَاخِرَةَ ﴿21﴾
التفسير:
"وتذرون الآخرة". قرأ أهل المدينة والكوفة تحبون وتذرون بالتاء فيهما، وقرأ الآخرون بالياء أي يختارون الدنيا على العقبى، ويعملون لها، يعني: كفار مكة، ومن قرأ بالتاء فعلى تقدير: قل لهم يا محمد: بل تحبون وتذرون.
وُجُوهٌۭ يَوْمَئِذٍۢ نَّاضِرَةٌ ﴿22﴾
التفسير:
( وجوه يومئذ ) يعني يوم القيامة ( ناضرة ) قال ابن عباس : حسنة ، وقال مجاهد : مسرورة . وقال ابن زيد : ناعمة . وقال مقاتل : بيض يعلوها النور . وقال السدي : مضيئة . وقال يمان : مسفرة . وقال الفراء : مشرقة بالنعيم يقال : نضر الله وجهه ينضر نضرا ، ونضره الله وأنضره ونضر وجهه ينضر نضرة ونضارة . قال الله تعالى : " تعرف في وجوههم نضرة النعيم " ( المطففين - 24 )
إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌۭ ﴿23﴾
التفسير:
( إلى ربها ناظرة ) قال ابن عباس : وأكثر الناس تنظر إلى ربها عيانا بلا حجاب . قال الحسن : تنظر إلى الخالق وحق لها أن [ تنضر ] وهي تنظر إلى الخالق .أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم الترابي ، أخبرنا عبد الله بن أحمد الحموي ، أخبرنا إبراهيم بن خزيم الشاشي ، أخبرنا عبد بن حميد ، حدثنا شبابة ، عن إسرائيل ، عن ثوير قال : سمعت ابن عمر يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة ، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية " ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة "
وَوُجُوهٌۭ يَوْمَئِذٍۭ بَاسِرَةٌۭ ﴿24﴾
التفسير:
"ووجوه يومئذ باسرة"، عابسة كالحة مغبرة مسودة.
تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌۭ ﴿25﴾
التفسير:
"تظن أن يفعل بها فاقرة"، تستيقن أن يعمل بها عظيمة من العذاب، والفاقرة: الداهية العظيمة، والأمر الشديد يكسر فقار الظهر. قال سعيد بن المسيب: قاصمة الظهر. قال ابن زيد: هي دخول النار. وقال الكلبي: هي أن تحجب عن رؤية الرب عز وجل.
كَلَّآ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِىَ ﴿26﴾
التفسير:
"كلا إذا بلغت" يعني النفس، كناية عن غير مذكور، "التراقي"، فحشرج بها عند الموت، و "التراقي": جمع الترقوة، وهي العظام بين ثغرة النحر والعاتق، ويكنى ببلوغ النفس التراقي عن الإشراف على الموت.
وَقِيلَ مَنْ ۜ رَاقٍۢ ﴿27﴾
التفسير:
"وقيل"، أي قال من حضره الموت: هل "من راق" هل من طبيب يرقيه ويداويه فيشفيه برقيته أو دوائه.وقال قتادة: التمسوا له الأطباء فلم يغنوا عنه من قضاء الله شيئاً. وقال سليمان التيمي، ومقاتل بن سليمان: هذا من قول الملائكة، يقول بعضهم لبعض: من يرقى بروحه؟ فتصعد بها ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب.
وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ ﴿28﴾
التفسير:
"وظن"، أيقن الذي بلغت روحه التراقي، "أنه الفراق" من الدنيا.
وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ ﴿29﴾
التفسير:
( والتفت الساق بالساق ) قال قتادة : الشدة بالشدة . وقال عطاء : شدة الموت بشدة الآخرة . وقال سعيد بن جبير : تتابعت عليه الشدائد ، وقال السدي : لا يخرج من كرب إلا جاءه أشد منه .قال ابن عباس : أمر الدنيا بأمر الآخرة ، فكان في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة .وقال مجاهد : اجتمع فيه الحياة والموت .وقال الضحاك : الناس يجهزون جسده والملائكة يجهزون روحه .وقال الحسن : هما ساقاه إذا التفتا في الكفن . وقال الشعبي : هما ساقاه عند الموت .
إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ ﴿30﴾
التفسير:
"إلى ربك يومئذ المساق"، أي مرجع العباد يومئذ إلى الله يساقون إليه.
فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ ﴿31﴾
التفسير:
"فلا صدق ولا صلى"، يعني: أبا جهل، لم يصدق بالقرآن ولا صلى لله.
وَلَٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ﴿32﴾
التفسير:
"ولكن كذب وتولى"، عن الإيمان.
ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰٓ أَهْلِهِۦ يَتَمَطَّىٰٓ ﴿33﴾
التفسير:
"ثم ذهب إلى أهله"، رجع إليهم، "يتمطى"، يتبختر ويختال في مشيته، وقيل: أصله: يتمطط أي: يتمدد، والمط هو المد.
أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ ﴿34﴾
التفسير:
"أولى لك فأولى".
ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰٓ ﴿35﴾
التفسير:
( ثم أولى لك فأولى ) هذا وعيد على وعيد من الله - عز وجل - لأبي جهل ، وهي كلمة موضوعة للتهديد والوعيد .وقال بعض العلماء : معناه أنك أجدر بهذا العذاب وأحق وأولى به ، يقال للرجل يصيبه مكروه يستوجبه .وقيل : هي كلمة تقولها العرب لمن قاربه المكروه وأصلها [ من الولاء ] من المولى وهو القرب ، قال الله تعالى : " قاتلوا الذين يلونكم من الكفار " ( التوبة - 123 ) .وقال قتادة : ذكر لنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت هذه الآية أخذ بمجامع ثوب أبي جهل بالبطحاء وقال له : " أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى " فقال أبو جهل : أتوعدني يا محمد ؟ والله ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئا ، وإني لأعز من مشى بين جبليها! فلما كان يوم بدر صرعه الله شر مصرع ، وقتله أسوأ قتلة . وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن لكل أمة فرعونا [ وإن ] فرعون هذه الأمة أبو جهل .
أَيَحْسَبُ ٱلْإِنسَٰنُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ﴿36﴾
التفسير:
"أيحسب الإنسان أن يترك سدى"، هملاً لا يؤمر ولا ينهى، وقال السدي: معناه المهمل وإبل سدى إذا كانت ترعى حيث شاءت بلا راع.
أَلَمْ يَكُ نُطْفَةًۭ مِّن مَّنِىٍّۢ يُمْنَىٰ ﴿37﴾
التفسير:
"ألم يك نطفةً من مني يمنى"، تصب في الرحم، قرأ حفص عن عاصم "يمنى" بالياء، وهي قراءة الحسن، وقرأ الآخرون بالتاء، لأجل النطفة.
ثُمَّ كَانَ عَلَقَةًۭ فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ ﴿38﴾
التفسير:
"ثم كان علقةً فخلق فسوى"، فجعل فيه الروح فسوى خلقه.
فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلْأُنثَىٰٓ ﴿39﴾
التفسير:
"فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى"، خلق من مائه أولاداً ذكوراً وإناثاً.
أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يُحْۦِىَ ٱلْمَوْتَىٰ ﴿40﴾
التفسير:
( أليس ذلك ) الذي فعل هذا ( بقادر على أن يحيي الموتى )أخبرنا أبو طاهر عمر بن عبد العزيز القاشاني ، أخبرنا أبو عمرو القاسم بن جعفر الهاشمي ، أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد بن عمر اللؤلئي ، حدثنا أبو داود سليمان بن أشعث ، حدثنا عبد الله بن محمد الزهري ، حدثنا سفيان ، حدثني إسماعيل بن أمية قال : سمعت أعرابيا يقول سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قرأ منكم والتين والزيتون فانتهى إلى آخرها : " أليس الله بأحكم الحاكمين " ( التين - 8 ) فليقل : بلى ، وأنا على ذلك من الشاهدين ، ومن قرأ : " لا أقسم بيوم القيامة " فانتهى إلى " أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى " فليقل : بلى ، ومن قرأ : " والمرسلات " فبلغ " فبأي حديث بعده يؤمنون " فليقل : " آمنا بالله " .أخبرنا عمر بن عبد العزيز ، أخبرنا القاسم بن جعفر ، أخبرنا أبو علي اللؤلئي ، أخبرنا أبو داود ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن موسى بن أبي عائشة قال : كان رجل يصلي فوق بيته فكان إذا قرأ : أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى قال : سبحانك بلى ، فسألوه عن ذلك فقال : سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
-