موقع شبكة الاسلام
44

سورة سُورَةُ الدُّخَانِ

مكية - 59 آيات

تفسير: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ حمٓ ﴿1﴾

التفسير:

تقدم تفسير الحروف المتقطعة

وَٱلْكِتَٰبِ ٱلْمُبِينِ ﴿2﴾

التفسير:

هذا قسم بالقرآن على القرآن.

إِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ فِى لَيْلَةٍۢ مُّبَٰرَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴿3﴾

التفسير:

فأقسم بالكتاب المبين لكل ما يحتاج إلى بيانه أنه أنزله فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ أي: كثيرة الخير والبركة وهي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فأنزل أفضل الكلام بأفضل الليالي والأيام على أفضل الأنام، بلغة العرب الكرام لينذر به قوما عمتهم الجهالة وغلبت عليهم الشقاوة فيستضيئوا بنوره ويقتبسوا من هداه ويسيروا وراءه فيحصل لهم الخير الدنيوي والخير الأخروي ولهذا قال: إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا أي: في تلك الليل الفاضلة التي نزل فيها القرآن

فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴿4﴾

التفسير:

يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أي: يفصل ويميز ويكتب كل أمر قدري وشرعي حكم الله به، وهذه الكتابة والفرقان، الذي يكون في ليلة القدر أحد الكتابات التي تكتب وتميز فتطابق الكتاب الأول الذي كتب الله به مقادير الخلائق وآجالهم وأرزاقهم وأعمالهم وأحوالهم، ثم إن الله تعالى قد وكل ملائكة تكتب ما سيجري على العبد وهو في بطن أمه، ثم وكلهم بعد وجوده إلى الدنيا وكل به كراما كاتبين يكتبون ويحفظون عليه أعماله، ثم إنه تعالى يقدر في ليلة القدر ما يكون في السنة، وكل هذا من تمام علمه وكمال حكمته وإتقان حفظه واعتنائه تعالى بخلقه.

أَمْرًۭا مِّنْ عِندِنَآ ۚ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ﴿5﴾

التفسير:

أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا أي: هذا الأمر الحكيم أمر صادر من عندنا. إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ للرسل ومنزلين للكتب والرسل تبلغ أوامر المرسل وتخبر بأقداره.

رَحْمَةًۭ مِّن رَّبِّكَ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ ﴿6﴾

التفسير:

رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ أي: إن إرسال الرسل وإنزال الكتب التي أفضلها القرآن رحمة من رب العباد بالعباد، فما رحم الله عباده برحمة أجل من هدايتهم بالكتب والرسل، وكل خير ينالونه في الدنيا والآخرة فإنه من أجل ذلك وسببه، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ أي: يسمع جميع الأصوات ويعلم جميع الأمور الظاهرة والباطنة وقد علم تعالى ضرورة العباد إلى رسله وكتبه فرحمهم بذلك ومن عليهم فله تعالى الحمد والمنة والإحسان.

رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ ۖ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ ﴿7﴾

التفسير:

رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا أي: خالق ذلك ومدبره والمتصرف فيه بما شاء. إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ أي: عالمين بذلك علما مفيدا لليقين فاعلموا أن الرب للمخلوقات هو إلهها الحق .

لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْىِۦ وَيُمِيتُ ۖ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَآئِكُمُ ٱلْأَوَّلِينَ ﴿8﴾

التفسير:

لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أي: لا معبود إلا وجهه، يُحْيِي وَيُمِيتُ أي: هو المتصرف وحده بالإحياء والإماتة وسيجمعكم بعد موتكم فيجزيكم بعملكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر، رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ أي: رب الأولين والآخرين مربيهم بالنعم الدافع عنهم النقم.

بَلْ هُمْ فِى شَكٍّۢ يَلْعَبُونَ ﴿9﴾

التفسير:

فلما قرر تعالى ربوبيته وألوهيته بما يوجب العلم التام ويدفع الشك أخبر أن الكافرين مع هذا البيان فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ أي: منغمرون في الشكوك والشبهات غافلون عما خلقوا له قد اشتغلوا باللعب الباطل، الذي لا يجدي عليهم إلا الضرر.

فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍۢ مُّبِينٍۢ ﴿10﴾

التفسير:

فَارْتَقِبْ أي: انتظر فيهم العذاب فإنه قد قرب وآن أوانه، يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ

يَغْشَى ٱلنَّاسَ ۖ هَٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌۭ ﴿11﴾

التفسير:

[يَغْشَى النَّاسَ أي: يعمهم ذلك الدخان ويقال لهم: هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ واختلف المفسرون في المراد بهذا الدخان، فقيل: إنه الدخان الذي يغشى الناس ويعمهم حين تقرب النار من المجرمين في يوم القيامة وأن الله توعدهم بعذاب يوم القيامة وأمر نبيه أن ينتظر بهم ذلك اليوم.ويؤيد هذا المعنى أن هذه الطريقة هي طريقة القرآن في توعد الكفار والتأني بهم وترهيبهم بذلك اليوم وعذابه وتسلية الرسول والمؤمنين بالانتظار بمن آذاهم.

رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ﴿12﴾

التفسير:

أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌۭ مُّبِينٌۭ ﴿13﴾

التفسير:

أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ وهذا يقال يوم القيامة للكفار حين يطلبون الرجوع إلى الدنيا فيقال: قد ذهب وقت الرجوع.وقيل: إن المراد بذلك ما أصاب كفار قريش حين امتنعوا من الإيمان واستكبروا على الحق فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم أعني عليهم بسنين كسني يوسف فأرسل الله عليهم الجوع العظيم حتى أكلوا الميتات والعظام وصاروا يرون الذي بين السماء والأرض كهيئة الدخان وليس به، وذلك من شدة الجوع.فيكون -على هذا- قوله: يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ أن ذلك بالنسبة إلى أبصارهم وما يشاهدون وليس بدخان حقيقة.ولم يزالوا بهذه الحالة حتى استرحموا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه أن يدعو الله لهم أن يكشفه الله عنهم فدعا ربه فكشفه الله عنهم، وعلى هذا فيكون قوله: إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ إخبار بأن الله سيصرفه عنكم وتوعد لهم أن يعودوا إلى الاستكبار والتكذيب وإخبار بوقوعه فوقع وأن الله سيعاقبهم بالبطشة الكبرى، قالوا: وهي وقعة بدر وفي هذا القول نظر ظاهر.وقيل: إن المراد بذلك أن ذلك من أشراط الساعة وأنه يكون في آخر الزمان دخان يأخذ بأنفاس الناس ويصيب المؤمنين منهم كهيئة الدخان، والقول هو الأول، وفي الآية احتمال أن المراد بقوله: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ * أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ أن هذا كله يكون يوم القيامة.

ثُمَّ تَوَلَّوْا۟ عَنْهُ وَقَالُوا۟ مُعَلَّمٌۭ مَّجْنُونٌ ﴿14﴾

التفسير:

إِنَّا كَاشِفُوا۟ ٱلْعَذَابِ قَلِيلًا ۚ إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ ﴿15﴾

التفسير:

وأن قوله تعالى: إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ * يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ أن هذا ما وقع لقريش كما تقدم. وإذا نزلت هذه الآيات على هذين المعنيين لم تجد في اللفظ ما يمنع من ذلك.بل تجدها مطابقة لهما أتم المطابقة وهذا الذي يظهر عندي ويترجح والله أعلم.

يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰٓ إِنَّا مُنتَقِمُونَ ﴿16﴾

التفسير:

وأن قوله تعالى: إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ * يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ أن هذا ما وقع لقريش كما تقدم. وإذا نزلت هذه الآيات على هذين المعنيين لم تجد في اللفظ ما يمنع من ذلك.بل تجدها مطابقة لهما أتم المطابقة وهذا الذي يظهر عندي ويترجح والله أعلم.

۞ وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَآءَهُمْ رَسُولٌۭ كَرِيمٌ ﴿17﴾

التفسير:

لما ذكر تعالى تكذيب من كذب الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم ذكر أن لهم سلفا من المكذبين، فذكر قصتهم مع موسى وما أحل الله بهم ليرتدع هؤلاء المكذبون عن ما هم عليه فقال: وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أي: ابتليناهم واختبرناهم بإرسال رسولنا موسى بن عمران إليهم الرسول الكريم الذي فيه من الكرم ومكارم الأخلاق ما ليس في غيره.

أَنْ أَدُّوٓا۟ إِلَىَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ۖ إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌۭ ﴿18﴾

التفسير:

أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ أي: قال لفرعون وملئه: أدوا إلي عباد الله، يعني بهم: بني إسرائيل أي: أرسلوهم وأطلقوهم من عذابكم وسومكم إياهم سوء العذاب فإنهم عشيرتي وأفضل العالمين في زمانهم.وأنتم قد ظلمتموهم واستعبدتموهم بغير حق فأرسلوهم ليعبدوا ربهم، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ أي: رسول من رب العالمين أمين على ما أرسلني به لا أكتمكم منه شيئا ولا أزيد فيه ولا أنقص وهذا يوجب تمام الانقياد له.

وَأَن لَّا تَعْلُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ ۖ إِنِّىٓ ءَاتِيكُم بِسُلْطَٰنٍۢ مُّبِينٍۢ ﴿19﴾

التفسير:

وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ بالاستكبار عن عبادته والعلو على عباد الله، إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ أي: بحجة بينة ظاهرة وهو ما أتى به من المعجزات الباهرات والأدلة القاهرات، فكذبوه وهموا بقتله فلجأ بالله من شرهم فقال: وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ

وَإِنِّى عُذْتُ بِرَبِّى وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ ﴿20﴾

التفسير:

أي: تقتلوني أشر القتلات بالرجم بالحجارة.

وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُوا۟ لِى فَٱعْتَزِلُونِ ﴿21﴾

التفسير:

وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ أي: لكم ثلاث مراتب: الإيمان بي وهو مقصودي منكم فإن لم تحصل منكم هذه المرتبة فاعتزلوني لا علي ولا لي، فاكفوني شركم. فلم تحصل منهم المرتبة الأولى ولا الثانية بل لم يزالو متمردين عاتين على الله محاربين لنبيه موسى عليه السلام غير ممكنين له من قومه بني إسرائيل.

فَدَعَا رَبَّهُۥٓ أَنَّ هَٰٓؤُلَآءِ قَوْمٌۭ مُّجْرِمُونَ ﴿22﴾

التفسير:

فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ أي: قد أجرموا جرما يوجب تعجيل العقوبة.فأخبر عليه السلام بحالهم وهذا دعاء بالحال التي هي أبلغ من المقال، كما قال عن نفسه عليه السلام رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ

فَأَسْرِ بِعِبَادِى لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ ﴿23﴾

التفسير:

فأمره الله أن يسري بعباده ليلا وأخبره أن فرعون وقومه سيتبعونه.

وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْوًا ۖ إِنَّهُمْ جُندٌۭ مُّغْرَقُونَ ﴿24﴾

التفسير:

وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا أي: بحاله وذلك أنه لما سرى موسى ببني إسرائيل كما أمره الله ثم تبعهم فرعون فأمر الله موسى أن يضرب البحر فضربه فصار اثنى عشر طريقا وصار الماء من بين تلك الطرق كالجبال العظيمة فسلكه موسى وقومه.فلما خرجوا منه أمره الله أن يتركه رهوا أي: بحاله ليسلكه فرعون وجنوده إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ فلما تكامل قوم موسى خارجين منه وقوم فرعون داخلين فيه أمره الله تعالى أن يلتطم عليهم فغرقوا عن آخرهم.

كَمْ تَرَكُوا۟ مِن جَنَّٰتٍۢ وَعُيُونٍۢ ﴿25﴾

التفسير:

وتركوا ما متعوا به من الحياة الدنيا وأورثه الله بني إسرائيل الذين كانوا مستعبدين لهم ولهذا قال: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ

وَزُرُوعٍۢ وَمَقَامٍۢ كَرِيمٍۢ ﴿26﴾

التفسير:

وتركوا ما متعوا به من الحياة الدنيا وأورثه الله بني إسرائيل الذين كانوا مستعبدين لهم ولهذا قال: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ

وَنَعْمَةٍۢ كَانُوا۟ فِيهَا فَٰكِهِينَ ﴿27﴾

التفسير:

وتركوا ما متعوا به من الحياة الدنيا وأورثه الله بني إسرائيل الذين كانوا مستعبدين لهم ولهذا قال: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ

كَذَٰلِكَ ۖ وَأَوْرَثْنَٰهَا قَوْمًا ءَاخَرِينَ ﴿28﴾

التفسير:

[كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا أي: هذة النعمة المذكورة قَوْمًا آخَرِينَ فى الآية الأخرى كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ

فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلْأَرْضُ وَمَا كَانُوا۟ مُنظَرِينَ ﴿29﴾

التفسير:

فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ أي: لما أتلفهم الله وأهلكهم لم تبك عليهم السماء والأرض أي: لم يحزن عليهم ولم يؤس على فراقهم، بل كل استبشر بهلاكهم وتلفهم حتى السماء والأرض لأنهم ما خلفوا من آثارهم إلا ما يسود وجوههم ويوجب عليهم اللعنة والمقت من العالمين. وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ أي: ممهلين عن العقوبة بل اصطلمتهم في الحال.

وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ مِنَ ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ ﴿30﴾

التفسير:

ثم امتن تعالى على بني إسرائيل فقال: وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ الذي كانوا فيه .

مِن فِرْعَوْنَ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَالِيًۭا مِّنَ ٱلْمُسْرِفِينَ ﴿31﴾

التفسير:

مِنْ فِرْعَوْنَ إذ يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم. إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا أي: مستكبرا في الأرض بغير الحق مِنَ الْمُسْرِفِينَ المتجاوزين لحدود الله المتجرئين على محارمه.

وَلَقَدِ ٱخْتَرْنَٰهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ ﴿32﴾

التفسير:

وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ أي: اصطفيناهم وانتقيناهم عَلَى عِلْمٍ منا بهم وباستحقاقهم لذلك الفضل عَلَى الْعَالَمِينَ أي: عالمي زمانهم ومن قبلهم وبعدهم حتى أتى الله بأمة محمد صلى الله عليه وسلم ففضلوا العالمين كلهم وجعلهم الله خير أمة أخرجت للناس وامتن عليهم بما لم يمتن به على غيرهم.

وَءَاتَيْنَٰهُم مِّنَ ٱلْءَايَٰتِ مَا فِيهِ بَلَٰٓؤٌۭا۟ مُّبِينٌ ﴿33﴾

التفسير:

وَآتَيْنَاهُمْ أي: بني إسرائيل مِنَ الْآيَاتِ الباهرة والمعجزات الظاهرة. مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ أي: إحسان كثير ظاهر منا عليهم وحجة عليهم على صحة ما جاءهم به نبيهم موسى عليه السلام.

إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ لَيَقُولُونَ ﴿34﴾

التفسير:

يخبر تعالى إِنَّ هَؤُلَاءِ المكذبين يقولون مستبعدين للبعث والنشور: إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ أي: ما هي إلا الحياة الدنيا فلا بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار.

إِنْ هِىَ إِلَّا مَوْتَتُنَا ٱلْأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ ﴿35﴾

التفسير:

يخبر تعالى إِنَّ هَؤُلَاءِ المكذبين يقولون مستبعدين للبعث والنشور: إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ أي: ما هي إلا الحياة الدنيا فلا بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار

فَأْتُوا۟ بِـَٔابَآئِنَآ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ ﴿36﴾

التفسير:

ثم قالوا -متجرئين على ربهم معجزين له-: فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وهذا من اقتراح الجهلة المعاندين في مكان سحيق، فأي ملازمة بين صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه متوقف على الإتيان بآبائهم؟ فإن الآيات قد قامت على صدق ما جاءهم به وتواترت تواترا عظيما من كل وجه.

أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍۢ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ أَهْلَكْنَٰهُمْ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا۟ مُجْرِمِينَ ﴿37﴾

التفسير:

قال تعالى: أَهُمْ خَيْرٌ أي: هؤلاء المخاطبون أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ فإنهم ليسوا خيرا منهم وقد اشتركوا في الإجرام فليتوقعوا من الهلاك ما أصاب إخوانهم المجرمين.

وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَٰعِبِينَ ﴿38﴾

التفسير:

يخبر تعالى عن كمال قدرته وتمام حكمته وأنه ما خلق السماوات والأرض لعبا ولا لهوا أو سدى من غير فائدة

مَا خَلَقْنَٰهُمَآ إِلَّا بِٱلْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿39﴾

التفسير:

وأنه ما خلقهما إلا بالحق أي: نفس خلقهما بالحق وخلقهما مشتمل على الحق، وأنه أوجدهما ليعبدوه وحده لا شريك له وليأمر العباد وينهاهم ويثيبهم ويعاقبهم. وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ فلذلك لم يتفكروا في خلق السماوات والأرض.

إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ مِيقَٰتُهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿40﴾

التفسير:

إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ وهو يوم القيامة الذي يفصل الله به بين الأولين والآخرين وبين كل مختلفين مِيقَاتُهُمْ أي: الخلائق أَجْمَعِينَ

يَوْمَ لَا يُغْنِى مَوْلًى عَن مَّوْلًۭى شَيْـًۭٔا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ﴿41﴾

التفسير:

كلهم سيجمعهم الله فيه ويحضرهم ويحضر أعمالهم ويكون الجزاء عليها ولا ينفع مولى عن مولى شيئا لا قريب عن قريبه ولا صديق عن صديقه، وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ أي: يمنعون من عذاب الله عز وجل لأن أحدا من الخلق لا يملك من الأمر شيئا.

إِلَّا مَن رَّحِمَ ٱللَّهُ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ﴿42﴾

التفسير:

إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ فإنه هو الذي ينتفع ويرتفع برحمة الله تعالى التي تسبب إليها وسعى لها سعيها في الدنيا. ثم قال تعالى:

إِنَّ شَجَرَتَ ٱلزَّقُّومِ ﴿43﴾

التفسير:

لما ذكر يوم القيامة وأنه يفصل بين عباده فيه ذكر افتراقهم إلى فريقين: فريق في الجنة، وفريق في السعير وهم: الآثمون بعمل الكفر والمعاصي وأن طعامهم شَجَرَةَ الزَّقُّومِ شر الأشجار وأفظعها وأن طعمها كَالْمُهْلِ

طَعَامُ ٱلْأَثِيمِ ﴿44﴾

التفسير:

كَٱلْمُهْلِ يَغْلِى فِى ٱلْبُطُونِ ﴿45﴾

التفسير:

كَالْمُهْلِ أي: كالصديد المنتن خبيث الريح والطعم شديد الحرارة يغلي في بطونهم كَغَلْيِ الْحَمِيمِ

كَغَلْىِ ٱلْحَمِيمِ ﴿46﴾

التفسير:

يغلي في بطونهم كَغَلْيِ الْحَمِيمِ

خُذُوهُ فَٱعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ ﴿47﴾

التفسير:

ثُمَّ صُبُّوا۟ فَوْقَ رَأْسِهِۦ مِنْ عَذَابِ ٱلْحَمِيمِ ﴿48﴾

التفسير:

ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ ﴿49﴾

التفسير:

ويقال للمعذب: ذُقْ هذا العذاب الأليم والعقاب الوخيم إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ أي: بزعمك أنك عزيز ستمتنع من عذاب الله وأنك كريم على الله لا يصيبك بعذاب، فاليوم تبين لك أنك أنت الذليل المهان الخسيس.

إِنَّ هَٰذَا مَا كُنتُم بِهِۦ تَمْتَرُونَ ﴿50﴾

التفسير:

إِنَّ هَذَا العذاب العظيم مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ أي: تشكون فالآن صار عندكم حق اليقين.

إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى مَقَامٍ أَمِينٍۢ ﴿51﴾

التفسير:

هذا جزاء المتقين لله الذين اتقوا سخطه وعذابه بتركهم المعاصي وفعلهم الطاعات، فلما انتفى السخط عنهم والعذاب ثبت لهم الرضا من الله والثواب العظيم في ظل ظليل من كثرة الأشجار والفواكه وعيون سارحة تجري من تحتهم الأنهار يفجرونها تفجيرا في جنات النعيم.

فِى جَنَّٰتٍۢ وَعُيُونٍۢ ﴿52﴾

التفسير:

فأضاف الجنات إلى النعيم لأن كل ما اشتملت عليه كله نعيم وسرور، كامل من كل وجه ما فيه منغص ولا مكدر بوجه من الوجوه.

يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍۢ وَإِسْتَبْرَقٍۢ مُّتَقَٰبِلِينَ ﴿53﴾

التفسير:

ولباسهم من الحرير الأخضر من السندس والإستبرق أي: غليظ الحرير ورقيقه مما تشتهيه أنفسهم. مُتَقَابِلِينَ في قلوبهم ووجوههم في كمال الراحة والطمأنينة والمحبة والعشرة الحسنة والآداب المستحسنة.

كَذَٰلِكَ وَزَوَّجْنَٰهُم بِحُورٍ عِينٍۢ ﴿54﴾

التفسير:

كَذَلِكَ النعيم التام والسرور الكامل وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عين أي: نساء جميلات من جمالهن وحسنهن أنه يحار الطرف في حسنهن وينبهر العقل بجمالهن وينخلب اللب لكمالهن عَيْنٍ أي: ضخام الأعين حسانها.

يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَٰكِهَةٍ ءَامِنِينَ ﴿55﴾

التفسير:

يَدْعُونَ فِيهَا أي: الجنة بِكُلِّ فَاكِهَةٍ مما له اسم في الدنيا ومما لا يوجد له اسم ولا نظير في الدنيا، فمهما طلبوه من أنواع الفاكهة وأجناسها أحضر لهم في الحال من غير تعب ولا كلفة، آمِنِينَ من انقطاع ذلك وآمنين من مضرته وآمنين من كل مكدر، وآمنين من الخروج منها والموت .

لَا يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلَّا ٱلْمَوْتَةَ ٱلْأُولَىٰ ۖ وَوَقَىٰهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ ﴿56﴾

التفسير:

لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى أي: ليس فيها موت بالكلية، ولو كان فيها موت يستثنى لم يستثن الموتة الأولى التي هي الموتة في الدنيا فتم لهم كل محبوب مطلوب، وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ

فَضْلًۭا مِّن رَّبِّكَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ﴿57﴾

التفسير:

[فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ أي: حصول النعيم واندفاع العذاب عنهم من فضل الله عليهم وكرمه فإنه تعالى هو الذي وفقهم للأعمال الصالحة التي بها نالوا خير الآخرة وأعطاهم أيضا ما لم تبلغه أعمالهم، ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وأي فوز أعظم من نيل رضوان الله وجنته والسلامة من عذابه وسخطه؟

فَإِنَّمَا يَسَّرْنَٰهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴿58﴾

التفسير:

فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ أي: القرآن بِلِسَانِكَ أي: سهلناه بلسانك الذي هو أفصح الألسنة على الإطلاق وأجلها فتيسر به لفظه وتيسر معناه. لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ما فيه نفعهم فيفعلونه وما فيه ضررهم فيتركونه.

فَٱرْتَقِبْ إِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَ ﴿59﴾

التفسير:

فَارْتَقِبْ أي: انتظر ما وعدك ربك من الخير والنصر إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ ما يحل بهم من العذاب وفرق بين الارتقابين: رسول الله وأتباعه يرتقبون الخير في الدينا والآخرة، وضدهم يرتقبون الشر في الدنيا والآخرة.تم تفسير سورة الدخان، ولله الحمد والمنة

مشغل القرآن
لا يوجد سورة محددة

-

00:00 / 00:00
إحصائيات المنتدى
عدد المواضيع في المنتدى 1,404
عدد المشاركات في المنتدى 0
عدد الاعضاء في الموقع 1,181
المستخدمين المتصلين 0
آخر عضو مسجل jiMKGNxNzlHAIQ
الأعضاء المتصلون
المجموع: 0 عضو متصل