بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ وَٱلصَّٰٓفَّٰتِ صَفًّۭا ﴿1﴾
التفسير:
«والصافات صفّا» الملائكة تصف نفوسها في العبادة أو أجنحتها في الهواء تنتظر ما تؤمر به.
فَٱلزَّٰجِرَٰتِ زَجْرًۭا ﴿2﴾
التفسير:
«فالزاجرات زجرا» الملائكة تزجر السحاب أي تسوقه.
فَٱلتَّٰلِيَٰتِ ذِكْرًا ﴿3﴾
التفسير:
«فالتاليات» أي قراء القرآن يتلونه «ذكرا» مصدر من معنى التاليات.
إِنَّ إِلَٰهَكُمْ لَوَٰحِدٌۭ ﴿4﴾
التفسير:
«إن إلهكم» يا أهل مكة «لواحد».
رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ ٱلْمَشَٰرِقِ ﴿5﴾
التفسير:
«ربُّ السماوات والأرض وما بينهما وربُّ المشارق» أي والمغارب للشمس، لها كل يوم مشرق ومغرب.
إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ ﴿6﴾
التفسير:
«إنَّا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب» أي بضوئها أو بها، والإضافة للبيان كقراءة تنوين زينة المبينة بالكواكب.
وَحِفْظًۭا مِّن كُلِّ شَيْطَٰنٍۢ مَّارِدٍۢ ﴿7﴾
التفسير:
«وحفظا» منصوب بفعل مقدر: أي حفظناها بالشهب «من كل» متعلق بالمقدر «شيطان مارد» عاتٍ خارج عن الطاعة.
لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى ٱلْمَلَإِ ٱلْأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍۢ ﴿8﴾
التفسير:
«لا يسمعون» أي الشياطين مستأنف، وسماعهم هو في المعنى المحفوظ عنه «إلى الملأ الأعلى» الملائكة في السماء، وعدِّي السماع بإلى لتضمنه معنى الإصغاء وفي قراءة بتشديد الميم والسين أصله يتسمعون أدغمت التاء في السين «ويقذفون» أي الشياطين بالشهب «من كل جانب» من آفاق السماء.
دُحُورًۭا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌۭ وَاصِبٌ ﴿9﴾
التفسير:
«دُحُورا» مصدر دحره: أي طرده وأبعده وهو مفعول له «ولهم» في الآخرة «عذاب واصب» دائم.
إِلَّا مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُۥ شِهَابٌۭ ثَاقِبٌۭ ﴿10﴾
التفسير:
«إلا من خطف الخطفة» مصدر: أي المرة، والاستثناء من ضمير يسمعون: أي لا يسمع إلا الشيطان الذي سمع الكلمة من الملائكة فأخذها بسرعة «فأتبعه شهاب» كوكب مضيء «ثاقب» يثقبه أو يحرقه أو يخبله.
فَٱسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَآ ۚ إِنَّا خَلَقْنَٰهُم مِّن طِينٍۢ لَّازِبٍۭ ﴿11﴾
التفسير:
«فاستفتهم» استخبر كفار مكة تقريرا أو توبيخا «أهم أشد خلقا أم من خلقنا» من الملائكة والسماوات والأرضين وما فيهما وفي الإتيان بمن تغليب العقلاء «إنا خلقناهم» أي أصلهم آدم «من طين لازب» لازم يلصق باليد: المعنى أن خلقهم ضعيف فلا يتكبروا بإنكار النبي والقرآن المؤدي إلى هلاكهم اليسير.
بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ﴿12﴾
التفسير:
«بل» للانتقال من غرض إلى آخر وهو الإخبار بحاله وحالهم «عجبتَ» بفتح التاء خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم، أي من تكذيبهم إياك «و» هم «يسخرون» من تعجبك.
وَإِذَا ذُكِّرُوا۟ لَا يَذْكُرُونَ ﴿13﴾
التفسير:
«وإذا ذكروا» وعظوا بالقرآن «لا يذكرون» لا يتعظون.
وَإِذَا رَأَوْا۟ ءَايَةًۭ يَسْتَسْخِرُونَ ﴿14﴾
التفسير:
«وإذا رأوْا آية» كانشقاق القمر «يستسخرون» يستهزئُون بها.
وَقَالُوٓا۟ إِنْ هَٰذَآ إِلَّا سِحْرٌۭ مُّبِينٌ ﴿15﴾
التفسير:
«وقالوا» فيها «إن» ما «هذا إلا سحر مبين» بيّن وقالوا منكرين للبعث.
أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًۭا وَعِظَٰمًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴿16﴾
التفسير:
«أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون» في الهمزتين في الموضوعين التحقيق وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين.
أَوَءَابَآؤُنَا ٱلْأَوَّلُونَ ﴿17﴾
التفسير:
«أوْ آباؤنا الأولون» بسكون الواو عطفا بأو، وبفتحها والهمزة للاستفهام والعطف بالواو والمعطوف عليه محل إن واسمها أو الضمير في لمبعوثون والفاصل همزة الاستفهام.
قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَٰخِرُونَ ﴿18﴾
التفسير:
«قل نعم» تبعثون «وأنتم داخرون» أي صاغرون.
فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌۭ وَٰحِدَةٌۭ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ ﴿19﴾
التفسير:
«فإنما هي» ضمير مبهم يفسره «زجرة» أي صيحة «واحدة فإذا هم» أي الخلائق أحياء «ينظرون» ما يفعل بهم.
وَقَالُوا۟ يَٰوَيْلَنَا هَٰذَا يَوْمُ ٱلدِّينِ ﴿20﴾
التفسير:
«وقالوا» أي الكفار «يا» للتنبيه «ويْلنا» هلاكنا، وهو مصدر لا فعل له من لفظه وتقول لهم الملائكة: «هذا يوم الدين» يوم الحساب والجزاء.
هَٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ ٱلَّذِى كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ ﴿21﴾
التفسير:
«هذا يوم الفصل» بين الخلائق «الذي كنتم به تكذبون» ويقال للملائكة.
۞ ٱحْشُرُوا۟ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ وَأَزْوَٰجَهُمْ وَمَا كَانُوا۟ يَعْبُدُونَ ﴿22﴾
التفسير:
«أُحشروا الذين ظلموا» أنفسهم بالشرك «وأزواجهم» قرناءهم من الشياطين «وما كانوا يعبدون».
مِن دُونِ ٱللَّهِ فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلْجَحِيمِ ﴿23﴾
التفسير:
«من دون الله» أي غيره من الأوثان «فاهدوهم» دلوهم وسوقوهم «إلى صراط الجحيم» طريق النار.
وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْـُٔولُونَ ﴿24﴾
التفسير:
«وقفوهم» احبسوهم عن الصراط «إنهم مسئولون» عن جميع أقوالهم، ويقال لهم توبيخا.
مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ ﴿25﴾
التفسير:
«ما لكم لا تناصرون» لا ينصر بعضكم بعضا كحالكم في الدنيا ويقال لهم.
بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ ﴿26﴾
التفسير:
«بل هم اليوم مستسلمون» منقادون أذلاء.
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍۢ يَتَسَآءَلُونَ ﴿27﴾
التفسير:
«وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون» يتلاومون ويتخاصمون.
قَالُوٓا۟ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ ﴿28﴾
التفسير:
«قالوا» أي الأتباع منهم للمتبوعين «إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين» عن الجهة التي كنا نأمنكم منها لحلفكم أنكم على الحق فصدقناكم واتبعناكم، المعنى أنكم أضللتمونا.
قَالُوا۟ بَل لَّمْ تَكُونُوا۟ مُؤْمِنِينَ ﴿29﴾
التفسير:
«قالوا» أي المتبعون لهم «بل لم تكونوا مؤمنين» وإنما يصدق الإضلال منا أن لو كنتم مؤمنين فرجعتم عن الإيمان إلينا.
وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم مِّن سُلْطَٰنٍۭ ۖ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًۭا طَٰغِينَ ﴿30﴾
التفسير:
«وما كان لنا عليكم من سلطان» قوة وقدرة تقهركم على متابعتنا «بل كنتم قوما طاغين» ضالين مثلنا.
فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ ۖ إِنَّا لَذَآئِقُونَ ﴿31﴾
التفسير:
(فحق) وجب (علينا) جميعا (قول ربنا) بالعذاب: أي قوله "" لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين "" (إنا) جميعا (لذائقون) العذاب بذلك القول ونشأ عنه قولهم.
فَأَغْوَيْنَٰكُمْ إِنَّا كُنَّا غَٰوِينَ ﴿32﴾
التفسير:
«فأغويناكم» المعلل بقولهم «إنا كنا غاوين».
فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍۢ فِى ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ﴿33﴾
التفسير:
قال تعالى «فإنهم يومئذ» يوم القيامة «في العذاب مشتركون» أي لاشتراكهم في الغواية.
إِنَّا كَذَٰلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ ﴿34﴾
التفسير:
«إنا كذلك» كما نفعل بهؤلاء «نفعل بالمجرمين» غير هؤلاء: أي نعذبهم التابع منهم والمتبوع.
إِنَّهُمْ كَانُوٓا۟ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴿35﴾
التفسير:
«إنهم» أي هؤلاء بقرينة ما بعده «كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون».
وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوٓا۟ ءَالِهَتِنَا لِشَاعِرٍۢ مَّجْنُونٍۭ ﴿36﴾
التفسير:
«ويقولون أئنا» في همزتيه ما تقدم «لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون» أي لأجل محمد.
بَلْ جَآءَ بِٱلْحَقِّ وَصَدَّقَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴿37﴾
التفسير:
قال تعالى: «بل جاء بالحق وصدَّق المرسلين» الجائين به، وهو أن لا إله إلا الله.
إِنَّكُمْ لَذَآئِقُوا۟ ٱلْعَذَابِ ٱلْأَلِيمِ ﴿38﴾
التفسير:
«إنكم» فيه التفات «لذائقوا العذاب الأليم».
وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿39﴾
التفسير:
«وما تجزوْن إلا» جزاء «ما كنتم تعملون».
إِلَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ ﴿40﴾
التفسير:
«إلا عباد الله المخلصين» أي المؤمنين استثناء منقطع، أي ذكر جزائهم في قوله.
أُو۟لَٰٓئِكَ لَهُمْ رِزْقٌۭ مَّعْلُومٌۭ ﴿41﴾
التفسير:
«أولئك لهم» في الجنة «رزق معلوم» بكرة وعشيا.
فَوَٰكِهُ ۖ وَهُم مُّكْرَمُونَ ﴿42﴾
التفسير:
«فواكه» بدل أو بيان للرزق وهو ما يؤكل تلذذا لحفظ صحة لأن أهل الجنة مستغنون عن حفظها بخلق أجسامهم للأبد «وهم مكرمون» بثواب الله سبحانه وتعالى.
فِى جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ ﴿43﴾
التفسير:
«في جنات النعيم».
عَلَىٰ سُرُرٍۢ مُّتَقَٰبِلِينَ ﴿44﴾
التفسير:
«على سرر متقابلين» لا يرى بعضهم قفا بعض.
يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍۢ مِّن مَّعِينٍۭ ﴿45﴾
التفسير:
«يطاف عليهم» على كل منهم «بكأس» هو الإناء بشرابه «من معين» من خمر يجري على وجه الأرض كأنهار الماء.
بَيْضَآءَ لَذَّةٍۢ لِّلشَّٰرِبِينَ ﴿46﴾
التفسير:
«بيضاء» أشد بياضا من اللبن «لذة» لذيذة «للشاربين» بخلاف خمر الدنيا فإنها كريهة عند الشرب.
لَا فِيهَا غَوْلٌۭ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ ﴿47﴾
التفسير:
«لا فيها غول» ما يغتال عقولهم «ولا هم عنها ينزَِفون» بفتح الزاي وكسرها من نزف الشارب وأنزف: أي يسكرون بخلاف خمر الدنيا.
وَعِندَهُمْ قَٰصِرَٰتُ ٱلطَّرْفِ عِينٌۭ ﴿48﴾
التفسير:
«وعندهم قاصرات الطرْف» حابسات الأعين على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم لحسنهم عندهن «عين» ضخام الأعين حسانها.
كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌۭ مَّكْنُونٌۭ ﴿49﴾
التفسير:
«كأنهن» في اللون «بيض» للنعام «مكنون» مستور بريشه لا يصل إليه غبار، ولونه وهو البياض في صفرة، أحسن ألوان النساء.
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍۢ يَتَسَآءَلُونَ ﴿50﴾
التفسير:
«فأقبل بعضهم» بعض أهل الجنة «على بعض يتساءلون» عما مر بهم في الدنيا.
قَالَ قَآئِلٌۭ مِّنْهُمْ إِنِّى كَانَ لِى قَرِينٌۭ ﴿51﴾
التفسير:
«قال قائل منهم إني كان لي قرين» صاحب ينكر البعث.
يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ ﴿52﴾
التفسير:
«يقول» لي تبكيتا «أئنك لمن المصدقين» بالبعث.
أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًۭا وَعِظَٰمًا أَءِنَّا لَمَدِينُونَ ﴿53﴾
التفسير:
«أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا» في الهمزتين في الثلاثة مواضع ما تقدم «لمدينون» مجزيون ومحاسبون؟ أنكر ذلك أيضا.
قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ ﴿54﴾
التفسير:
«قال» ذلك القائل لإخوانه: «هل أنتم مطلعون» معي إلى النار لننظر حاله؟ فيقولون: لا.
فَٱطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِى سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ ﴿55﴾
التفسير:
«فاطلع» ذلك القائلون من بعض كوى الجنة «فرآه» أي رأى قرينه «في سواء الجحيم» في وسط النار.
قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ ﴿56﴾
التفسير:
«قال» له تشميتا «تالله إن» مخففة من الثقيلة «كدت» قاربت «لتردين» لتهلكني بإغوائك.
وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّى لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ ﴿57﴾
التفسير:
«ولو لا نعمة ربي» عليَّ بالإيمان «لكنت من المحضرين» معك في النار وتقول أهل الجنة.
أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ﴿58﴾
التفسير:
«أفما نحن بميتين».
إِلَّا مَوْتَتَنَا ٱلْأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴿59﴾
التفسير:
«إلا موتتنا الأولى» أي التي في الدنيا «وما نحن بمعذبين» هو استفهام تلذذ وتحدُّث بنعمة الله تعالى من تأبيد الحياة وعدم التعذيب.
إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ﴿60﴾
التفسير:
«إن هذا» الذي ذكرت لأهل الجنة «لهو الفوز العظيم».
لِمِثْلِ هَٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَٰمِلُونَ ﴿61﴾
التفسير:
«لمثل هذا فليعمل العاملون» قيل يقال لهم ذلك، وقيل هم يقولونه.
أَذَٰلِكَ خَيْرٌۭ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ ﴿62﴾
التفسير:
«أذلك» المذكور لهم «خير نزلا» وهو ما يعدّ للنازل من ضيف وغيره «أم شجرة الزقوم» المعدة لأهل النار وهي من أخبث الشجر المرّ بتهامة ينبتها الله في الجحيم كما سيأتي.
إِنَّا جَعَلْنَٰهَا فِتْنَةًۭ لِّلظَّٰلِمِينَ ﴿63﴾
التفسير:
«إنا جعلناها» بذلك «فتنة للظالمين» أي الكافرين من أهل مكة، إذ قالوا: النار تحرق الشجر فكيف تنبته.
إِنَّهَا شَجَرَةٌۭ تَخْرُجُ فِىٓ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ ﴿64﴾
التفسير:
«إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم» أي قعر جهنم، وأغصانها ترتفع إلى دركاتها.
طَلْعُهَا كَأَنَّهُۥ رُءُوسُ ٱلشَّيَٰطِينِ ﴿65﴾
التفسير:
«طلعها» المشبه بطلع النخل «كأنه رءوس الشياطين» الحيات القبيحة المنظر.
فَإِنَّهُمْ لَءَاكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِـُٔونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ ﴿66﴾
التفسير:
«فإنهم» أي الكفار «لآكلون منها» مع قبحها لشدة جوعهم «فمالئون منها البطون».
ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًۭا مِّنْ حَمِيمٍۢ ﴿67﴾
التفسير:
«ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم» أي ماء حار يشربونه فيختلط بالمأكول منها فيصير شوبا له.
ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى ٱلْجَحِيمِ ﴿68﴾
التفسير:
«ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم» يفيد أنهم يخرجون منها لشرب الحميم وأنه خارجها.
إِنَّهُمْ أَلْفَوْا۟ ءَابَآءَهُمْ ضَآلِّينَ ﴿69﴾
التفسير:
«إنهم ألفوْا» وجدوا «آباءهم ضالين».
فَهُمْ عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِمْ يُهْرَعُونَ ﴿70﴾
التفسير:
«فهم على آثارهم يُهرعون» يزعجون إلى اتباعهم فيسرعون إليه.
وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ ٱلْأَوَّلِينَ ﴿71﴾
التفسير:
«ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين» من الأمم الماضية.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِم مُّنذِرِينَ ﴿72﴾
التفسير:
«ولقد أرسلنا فيهم منذرين» من الرسل مخوِّفين.
فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُنذَرِينَ ﴿73﴾
التفسير:
«فانظر كيف كان عاقبة المنذَرين» الكافرين: أي عاقبتهم العذاب.
إِلَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ ﴿74﴾
التفسير:
«إلا عباد الله المخلصين» أي المؤمنين فإنهم نجوا من العذاب لإخلاصهم في العبادة، أو لأن الله أخلصهم لها على قراءة فتح اللام.
وَلَقَدْ نَادَىٰنَا نُوحٌۭ فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ ﴿75﴾
التفسير:
(ولقد نادانا نوح) بقوله "" رب إني مغلوب فانتصر "" (فلنعم المجيبون) له نحن: أي دعانا على قومه فأهلكناهم بالغرق.
وَنَجَّيْنَٰهُ وَأَهْلَهُۥ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ ﴿76﴾
التفسير:
«ونجيناه وأهله من الكرب العظيم» أي الغرق.
وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُۥ هُمُ ٱلْبَاقِينَ ﴿77﴾
التفسير:
«وجعلنا ذريته هم الباقين» فالناس كلهم من نسله وكان له ثلاثة أولاد: سام وهو أبو العرب والفرس والروم، وحام وهو أبو السودان، ويافث وهو أبو الترك والخزر ويأجوج ومأجوج وما هنالك.
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى ٱلْءَاخِرِينَ ﴿78﴾
التفسير:
«وتركنا» أبقينا «عليه» ثناء حسنا «في الآخرين» من الأنبياء والأمم إلى يوم القيامة.
سَلَٰمٌ عَلَىٰ نُوحٍۢ فِى ٱلْعَٰلَمِينَ ﴿79﴾
التفسير:
«سلام» منا «على نوح في العالمين».
إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ ﴿80﴾
التفسير:
«إنا كذلك» كما جزيناهم «نجزي المحسنين».
إِنَّهُۥ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴿81﴾
التفسير:
«إنه من عبادنا المؤمنين».
ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلْءَاخَرِينَ ﴿82﴾
التفسير:
«ثم أغرقنا الآخرين» كفار قومه.
۞ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِۦ لَإِبْرَٰهِيمَ ﴿83﴾
التفسير:
«وإن من شيعته» أي ممن تابعه في أصل الدين «لإبراهيم» وإن طال الزمان بينهما وهو ألفان وستمائة وأربعون سنة وكان بينهما هود وصالح.
إِذْ جَآءَ رَبَّهُۥ بِقَلْبٍۢ سَلِيمٍ ﴿84﴾
التفسير:
«إذ جاء ربهَّ» أي تابعه وقت مجيئه «بقلب سليم» من الشك وغيره.
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِۦ مَاذَا تَعْبُدُونَ ﴿85﴾
التفسير:
«إذ قال» في هذه الحالة المستمرة له «لأبيه وقومه» موبخا «ماذا» ما الذي «تعبدون».
أَئِفْكًا ءَالِهَةًۭ دُونَ ٱللَّهِ تُرِيدُونَ ﴿86﴾
التفسير:
«أئفكا» في همزتيه ما تقدم «آلهة دون الله تريدون» وإفكا مفعول له، وآلهة مفعول به لتريدون والإفك: أسوأ الكذب، أي أتعبدون غير الله؟.
فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴿87﴾
التفسير:
«فما ظنكم برب العالمين» إذ عبدتم غيره أنه يترككم بلا عقاب؟ لا، وكانوا نجامين، فخرجوا إلى عيد لهم وتركوا طعامهم عند أصنامهم زعموا التبرك عليه فإذا رجعوا أكلوه، وقالوا للسيد: اخرج معنا.
فَنَظَرَ نَظْرَةًۭ فِى ٱلنُّجُومِ ﴿88﴾
التفسير:
«فنظر نظرة في النجوم» إيهاما لهم أنه يعتمد عليها ليعتمدوه.
فَقَالَ إِنِّى سَقِيمٌۭ ﴿89﴾
التفسير:
«فقال إني سقيم» عليل أي سأسقم.
فَتَوَلَّوْا۟ عَنْهُ مُدْبِرِينَ ﴿90﴾
التفسير:
«فتولوا عنه» إلى عيدهم «مدبرين».
فَرَاغَ إِلَىٰٓ ءَالِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ ﴿91﴾
التفسير:
«فراغ» مال في خفية «إلى آلهتهم» وهي الأصنام وعندها الطعام «فقال» استهزاءً «ألا تأكلون» فلم ينطقوا.
مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ ﴿92﴾
التفسير:
فقال «ما لكم لا تنطقون» فلم يجب.
فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًۢا بِٱلْيَمِينِ ﴿93﴾
التفسير:
«فراغ عليهم ضربا باليمين» بالقوة فكسرها فبلغ قومه ممن رآه.
فَأَقْبَلُوٓا۟ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ﴿94﴾
التفسير:
«فأقبلوا إليه يزفون» أي يسرعون المشي فقالوا له: نحن نعبدها وأنت تكسرها.
قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ﴿95﴾
التفسير:
«قال» لهم موبخا «أتعبدون ما تنحتون» من الحجارة وغيرها أصناما.
وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴿96﴾
التفسير:
«والله خلقكم وما تعملون» من نحتكم ومنحوتكم فاعبدوه وحده، وما مصدرية وقيل موصولة وقيل موصوفة.
قَالُوا۟ ٱبْنُوا۟ لَهُۥ بُنْيَٰنًۭا فَأَلْقُوهُ فِى ٱلْجَحِيمِ ﴿97﴾
التفسير:
«قالوا» بينهم «ابنوا له بنيانا» فاملئوه حطبا وأضرموه بالنار فإذا التهب «فألقوه في الجحيم» النار الشديدة.
فَأَرَادُوا۟ بِهِۦ كَيْدًۭا فَجَعَلْنَٰهُمُ ٱلْأَسْفَلِينَ ﴿98﴾
التفسير:
«فأرادوا به كيدا» بإلقائه في النار لتهلكه «فجعلناهم الأسفلين» المقهورين فخرج من النار سالما.
وَقَالَ إِنِّى ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّى سَيَهْدِينِ ﴿99﴾
التفسير:
«وقال إني ذاهب إلى ربي» مهاجر إليه من دار الكفر «سيهدين» إلى حيث أمرني ربي بالمصير إليه وهو الشام فلما وصل إلى الأرض المقدسة قال.
رَبِّ هَبْ لِى مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ﴿100﴾
التفسير:
«رب هب لي» ولدا «من الصالحين».
فَبَشَّرْنَٰهُ بِغُلَٰمٍ حَلِيمٍۢ ﴿101﴾
التفسير:
«فبشرناه بغلام حليم» أي ذي حلم كثير.
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْىَ قَالَ يَٰبُنَىَّ إِنِّىٓ أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ أَنِّىٓ أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِىٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴿102﴾
التفسير:
«فلما بلغ معه السعي» أي أن يسعى معه ويعينه قيل بلغ سبع سنين وقيل ثلاث عشرة سنة «قال يا بنيَّ إني أرى» أي رأيت «في المنام أني أذبحك» ورؤيا الأنبياء حق وأفعالهم بأمر الله تعالى «فانظر ماذا ترى» من الرأي شاوره ليأنس بالذبح وينقاد للأمر به «قال يا أبت» التاء عوض عن ياء الإضافة «افعل ما تؤمر» به «ستجدني إن شاء الله من الصابرين» على ذلك.
فَلَمَّآ أَسْلَمَا وَتَلَّهُۥ لِلْجَبِينِ ﴿103﴾
التفسير:
«فلما أسلما» خضعا وانقادا لأمر الله تعالى «وتله للجبين» صرعه عليه، ولكل إنسان جبينان بينهما الجبهة وكان ذلك بمنى، وأمرَّ السكين على حلقه فلم تعمل شيئا بمانع من القدرة الإلهية.
وَنَٰدَيْنَٰهُ أَن يَٰٓإِبْرَٰهِيمُ ﴿104﴾
التفسير:
«وناديناه أن يا إبراهيم».
قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّءْيَآ ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ ﴿105﴾
التفسير:
«قد صدقت الرؤيا» بما أتيت به مما أمكنك من أمر الذبح: أي يكفيك ذلك فجملة ناديناه جواب لما بزيادة الواو «إنا كذلك» كما جزيناك «نجزي المحسنين» لأنفسهم بامتثال الأمر بإفراج الشدة عنهم.
إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلَٰٓؤُا۟ ٱلْمُبِينُ ﴿106﴾
التفسير:
«إن هذا» الذبح المأمور به «لهو البلاء المبين» أي الاختبار الظاهر.
وَفَدَيْنَٰهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍۢ ﴿107﴾
التفسير:
«وفديناه» أي المأمور بذبحه، وهو إسماعيل أو إسحاق قولان «بذبح» بكبش «عظيم» من الجنة وهو الذي قربه هابيل جاء به جبريل عليه السلام فذبحه السيد إبراهيم مكبرا.
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى ٱلْءَاخِرِينَ ﴿108﴾
التفسير:
«وتركنا» أبقينا «عليه في الآخرين» ثناءً حسنا.
سَلَٰمٌ عَلَىٰٓ إِبْرَٰهِيمَ ﴿109﴾
التفسير:
«سلام» منا «على إبراهيم».
كَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ ﴿110﴾
التفسير:
«كذلك» كما جزيناه «نجزي المحسنين» لأنفسهم.
إِنَّهُۥ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴿111﴾
التفسير:
«إنه من عبادنا المؤمنين».
وَبَشَّرْنَٰهُ بِإِسْحَٰقَ نَبِيًّۭا مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ﴿112﴾
التفسير:
«وبشرناه بإسحاق» استدلَّ بذلك على أن الذبح غيره «نبيا» حال مقدرة: أي يوجد مقدرا نبوته «من الصالحين».
وَبَٰرَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰٓ إِسْحَٰقَ ۚ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌۭ وَظَالِمٌۭ لِّنَفْسِهِۦ مُبِينٌۭ ﴿113﴾
التفسير:
«وباركنا عليه» بكثير ذريته «وعلى إسحاق» ولده بجعلنا أكثر الأنبياء من نسله «ومن ذريتهما محسن» مؤمن «وظالم لنفسه» كافر «مبين» بيَّن الكفر.
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ ﴿114﴾
التفسير:
«ولقد مننا على موسى وهارون» بالنبوة.
وَنَجَّيْنَٰهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ ﴿115﴾
التفسير:
«ونجيناهما وقومهما» بني إسرائيل «من الكرب العظيم» أي استعباد فرعون إياهم.
وَنَصَرْنَٰهُمْ فَكَانُوا۟ هُمُ ٱلْغَٰلِبِينَ ﴿116﴾
التفسير:
«ونصرناهم» على القبط «فكانوا هم الغالبين».
وَءَاتَيْنَٰهُمَا ٱلْكِتَٰبَ ٱلْمُسْتَبِينَ ﴿117﴾
التفسير:
«وآتيناهما الكتاب المستبين» البليغ البيان فيما أتى به من الحدود والأحكام وغيرها وهو التوراة.
وَهَدَيْنَٰهُمَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ ﴿118﴾
التفسير:
«وهديناهما الصراط» الطريق «المستقيم».
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِى ٱلْءَاخِرِينَ ﴿119﴾
التفسير:
«وتركنا» أبقينا «عليهما في الآخرين» ثناءً حسنا.
سَلَٰمٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ ﴿120﴾
التفسير:
«سلام» منا «على موسى وهارون».
إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ ﴿121﴾
التفسير:
«إنا كذلك» كما جزيناهما «نجزي المحسنين».
إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴿122﴾
التفسير:
«إنهما من عبادنا المؤمنين».
وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴿123﴾
التفسير:
«وإن إلياس» بالهمزة أوله وتركه «لمن المرسلين» قيل هو ابن أخي هارون أخي موسى، وقيل غيره أرسل إلى قوم ببعلبك ونواحيها.
إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِۦٓ أَلَا تَتَّقُونَ ﴿124﴾
التفسير:
«إذ» منصوب باذكر مقدرا «قال لقومه ألا تتقون» الله.
أَتَدْعُونَ بَعْلًۭا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ ٱلْخَٰلِقِينَ ﴿125﴾
التفسير:
«أتدعون بعلا» اسم صنم لهم من ذهب، وبه سمي البلد أيضا مضافا إلى بك: أي أتعبدونه «وتذرون» تتركون «أحسن الخالقين» فلا تعبدونه.
ٱللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ ءَابَآئِكُمُ ٱلْأَوَّلِينَ ﴿126﴾
التفسير:
«اللهُ ربُّكم وربُّ آبائكم الأولين» برفع الثلاثة على إضمار هو، وبنصبها على البدل من أحسن.
فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ﴿127﴾
التفسير:
«فكذبوه فإنهم لمحضرون» في النار.
إِلَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ ﴿128﴾
التفسير:
«إلا عباد الله المخلصين» أي المؤمنين منهم فإنهم نجوا منها.
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى ٱلْءَاخِرِينَ ﴿129﴾
التفسير:
«وتركنا عليه في الآخرين» ثناءً حسنا.
سَلَٰمٌ عَلَىٰٓ إِلْ يَاسِينَ ﴿130﴾
التفسير:
«سلام» منا «على إلْ ياسين» قيل هو إلياس المتقدم ذكره، وقيل هو ومن آمن معه فجمعوا معه تغليبا كقولهم للمهلب وقومه المهلبون وعلى قراءة آل ياسين بالمد، أي أهله المراد به إلياس أيضا.
إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ ﴿131﴾
التفسير:
«إنا كذلك» كما جزيناه «نجزي المحسنين».
إِنَّهُۥ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴿132﴾
التفسير:
«إنه من عبادنا المؤمنين».
وَإِنَّ لُوطًۭا لَّمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴿133﴾
التفسير:
«وإن لوطا لمن المرسلين».
إِذْ نَجَّيْنَٰهُ وَأَهْلَهُۥٓ أَجْمَعِينَ ﴿134﴾
التفسير:
اذكر «إذ نجيناه وأهله أجمعين».
إِلَّا عَجُوزًۭا فِى ٱلْغَٰبِرِينَ ﴿135﴾
التفسير:
«إلا عجوزا في الغابرين» أي الباقين في العذاب.
ثُمَّ دَمَّرْنَا ٱلْءَاخَرِينَ ﴿136﴾
التفسير:
«ثم دمرنا» أهلكنا «الآخرين» كفار قومه.
وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ ﴿137﴾
التفسير:
«وإنكم لتمرون عليهم» على آثارهم ومنازلهم في أسفاركم «مصبحين» أي وقت الصباح يعني بالنهار.
وَبِٱلَّيْلِ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿138﴾
التفسير:
«وبالليل أفلا تعقلون» يا أهل مكة ما حل بهم فتعتبرون به.
وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴿139﴾
التفسير:
«وإن يونس لمن المرسلين».
إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ ﴿140﴾
التفسير:
«إذْ أبق» هرب «إلى الفلك المشحون» السفينة المملوءة حين غاضب قومه لما لم ينزل بهم العذاب الذي وعدهم به فركب السفينة فوقفت في لجة البحر، فقال الملاحون هنا عبد أبق من سيده تظهره القرعة.
فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ ﴿141﴾
التفسير:
«فساهم» قارع أهل السفينة «فكان من المدحضين» المغلوبين بالقرعة فألقوه في البحر.
فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌۭ ﴿142﴾
التفسير:
«فالتقمه الحوت» ابتلعه «وهو مليم» أي آت بما يلام عليه من ذهابه إلى البحر وركوبه السفينة بلا إذن من ربه.
فَلَوْلَآ أَنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ ﴿143﴾
التفسير:
(فلولا أنه كان من المسبحين) الذاكرين بقوله كثيرا في بطن الحوت "" لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين "".
لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِۦٓ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴿144﴾
التفسير:
«للبث في بطنه إلى يوم يبعثون» لصار بطن الحوت قبرا له إلى يوم القيامة.
۞ فَنَبَذْنَٰهُ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌۭ ﴿145﴾
التفسير:
«فنبذناه» أي ألقيناه من بطن الحوت «بالعراء» بوجه الأرض: أي بالساحل من يومه أو بعد ثلاثة أو سبعة أيام أو عشرين أو أربعين يوما «وهو سقيم» العليل كالفرخ الممعط.
وَأَنۢبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةًۭ مِّن يَقْطِينٍۢ ﴿146﴾
التفسير:
«وأنبتنا عليه شجرة من يقطين» وهي القرع تظله بساق على خلاف العادة في القرع معجزة له، وكانت تأتيه وعلة صباحا ومساء يشرب من لبنها حتى قوي.
وَأَرْسَلْنَٰهُ إِلَىٰ مِا۟ئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ﴿147﴾
التفسير:
«وأرسلناه» بعد ذلك كقبله إلى قوم بنينوى من أرض الموصل «إلى مائة ألف أو» بل «يزيدون» عشرين أو ثلاثين أو سبعين ألفا.
فَـَٔامَنُوا۟ فَمَتَّعْنَٰهُمْ إِلَىٰ حِينٍۢ ﴿148﴾
التفسير:
«فآمنوا» عند معاينة العذاب الموعودين به «فمتعناهم» أبقيناهم ممتعين بمالهم «إلى حين» تنقضي آجالهم فيه.
فَٱسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ ٱلْبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلْبَنُونَ ﴿149﴾
التفسير:
«فاستفتهم» استخبر كفار مكة توبيخا لهم «ألربك البنات» بزعمهم أن الملائكة بنات الله «ولهم البنون» فيختصون بالأسنى.
أَمْ خَلَقْنَا ٱلْمَلَٰٓئِكَةَ إِنَٰثًۭا وَهُمْ شَٰهِدُونَ ﴿150﴾
التفسير:
«أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون» خلقنا فيقولون ذلك.
أَلَآ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ ﴿151﴾
التفسير:
«ألا أنهم من إفكهم» كذبهم «ليقولون» بقولهم الملائكة بنات الله.
وَلَدَ ٱللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَٰذِبُونَ ﴿152﴾
التفسير:
«ولد الله» بقولهم الملائكة بنات الله «وإنهم لكاذبون» فيه.
أَصْطَفَى ٱلْبَنَاتِ عَلَى ٱلْبَنِينَ ﴿153﴾
التفسير:
«أصطفى» بفتح الهمزة للاستفهام واستغني بها عن همزة الوصل فحذفت، أي أختار «البنات على البنين».
مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴿154﴾
التفسير:
«ما لكم كيف تحكمون» هذا الحكم الفاسد.
أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴿155﴾
التفسير:
«أفلا تذَّكرون» بإدغام التاء في الذال، أنه سبحانه وتعالى منزه عن الولد.
أَمْ لَكُمْ سُلْطَٰنٌۭ مُّبِينٌۭ ﴿156﴾
التفسير:
«أم لكم سلطان مبين» حجة واضحة أن لله ولدا.
فَأْتُوا۟ بِكِتَٰبِكُمْ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ ﴿157﴾
التفسير:
«فأتوا بكتابكم» التوراة فأروني ذلك فيه «إن كنتم صادقين» في قولكم ذلك.
وَجَعَلُوا۟ بَيْنَهُۥ وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ نَسَبًۭا ۚ وَلَقَدْ عَلِمَتِ ٱلْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ﴿158﴾
التفسير:
«وجعلوا» أي المشركون «بينه» تعالى «وبين الجنة» أي الملائكة لاجتنانهم عن الأبصار «نسبا» بقولهم إنها بنات الله «ولقد علمت الجنَّة إنهم» أي قائلي ذلك «لمحضرون» للنار يعذبون فيها.
سُبْحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴿159﴾
التفسير:
«سبحان الله» تنزيها له «عما يصفون» بأن لله ولدا.
إِلَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ ﴿160﴾
التفسير:
«إلا عباد الله المخلصين» أي المؤمنين استثناء منقطع أي فإنهم ينزهون الله تعالى عما يصفه هؤلاء.
فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ ﴿161﴾
التفسير:
«فإنكم وما تعبدون» من الأصنام.
مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَٰتِنِينَ ﴿162﴾
التفسير:
«ما أنتم عليه» أي على معبودكم عليه متعلق بقوله «بفاتنين» أي أحدا.
إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ ٱلْجَحِيمِ ﴿163﴾
التفسير:
«إلا من هو صال الجحيم» في علم الله تعالى.
وَمَا مِنَّآ إِلَّا لَهُۥ مَقَامٌۭ مَّعْلُومٌۭ ﴿164﴾
التفسير:
قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم «وما منا» معشر الملائكة أحد «إلا له مقام معلوم» في السماوات يعبد الله فيه لا يتجاوزه.
وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ ﴿165﴾
التفسير:
«وإنا لنحن الصَّافون» أقدامنا في الصلاة.
وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبِّحُونَ ﴿166﴾
التفسير:
«وإنا لنحن المسبحون» المنزهون الله عما لا يليق به.
وَإِن كَانُوا۟ لَيَقُولُونَ ﴿167﴾
التفسير:
«وإن» مخففة من الثقيلة «كانوا» أي كفار مكة «ليقولون».
لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْرًۭا مِّنَ ٱلْأَوَّلِينَ ﴿168﴾
التفسير:
«لو أن عندنا ذكرا» كتابا «من الأولين» أي من كتب الأمم الماضية.
لَكُنَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ ﴿169﴾
التفسير:
«لكنا عباد الله المخلصين» العابدة له.
فَكَفَرُوا۟ بِهِۦ ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴿170﴾
التفسير:
قال تعالى: «فكفروا به» بالكتاب الذي جاءهم وهو القرآن الأشرف من ذلك الكتب «فسوف يعلمون» عاقبة كفرهم.
وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ ﴿171﴾
التفسير:
(ولقد سبقت كلمتنا) بالنصر (لعبادنا المرسلين) وهي "" لأغلبن أنا ورسلي "".
إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ ﴿172﴾
التفسير:
أو هي قوله «إنهم لهم المنصورون».
وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَٰلِبُونَ ﴿173﴾
التفسير:
«وإن جندنا» أي المؤمنين «لهم الغالبون» الكفار بالحجة والنصرة عليهم في الدنيا، وإن لم ينتصر بعض منهم في الدنيا ففي الآخرة.
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍۢ ﴿174﴾
التفسير:
«فتول عنهم» أي أعرض عن كفار مكة «حتى حين» تؤمر فيه بقتالهم.
وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ﴿175﴾
التفسير:
«وأبصرهم» إذ نزل بهم العذاب «فسوف يبصرون» عاقبة كفرهم.
أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ﴿176﴾
التفسير:
فقالوا استهزاء: متى نزول هذا العذاب؟ قال تعالى تهديدا لهم: «أفبعذابنا يستعجلون».
فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَآءَ صَبَاحُ ٱلْمُنذَرِينَ ﴿177﴾
التفسير:
«فإذا نزل بساحتهم» بفنائهم قال الفراء: العرب تكتفي بذكر الساحة عن القوم «فَساء» بئس صباحا «صباح المنذَرين» فيه إقامة الظاهر مقام المضمر.
وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍۢ ﴿178﴾
التفسير:
«وتول عنهم حتى حين».
وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ﴿179﴾
التفسير:
«وأبصر فسوف يبصرون» كرر تأكيدا لتهديدهم وتسلية له صلى الله عليه وسلم.
سُبْحَٰنَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴿180﴾
التفسير:
«سبحان ربك رب العزة» الغلبة «عما يصفون» بأن له ولدا.
وَسَلَٰمٌ عَلَى ٱلْمُرْسَلِينَ ﴿181﴾
التفسير:
«وسلام على المرسلين» المبلغين عن الله التوحيد والشرائع.
وَٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴿182﴾
التفسير:
«والحمد لله رب العالمين» على نصرهم وهلاك الكافرين.
-