موقع شبكة الاسلام
70

سورة سُورَةُ المَعَارِجِ

مكية - 44 آيات

تفسير: تفسير القرآن العظيم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ سَأَلَ سَآئِلٌۢ بِعَذَابٍۢ وَاقِعٍۢ ﴿1﴾

التفسير:

تفسير سورة سأل سائل وهي مكية .( سأل سائل بعذاب واقع ) فيه تضمين دل عليه حرف " الباء " ، كأنه مقدر : يستعجل سائل بعذاب واقع . كقوله : ( ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده ) أي : وعذابه واقع لا محالة .قال النسائي : حدثنا بشر بن خالد ، حدثنا أبو أسامة ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : ( سأل سائل بعذاب واقع ) قال : النضر بن الحارث بن كلدة .وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( سأل سائل بعذاب واقع ) قال : ذلك سؤال الكفار عن عذاب الله وهو واقع .وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : تعالى ) سأل سائل ) دعا داع بعذاب واقع يقع في الآخرة ، قال : وهو قولهم : ( اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) [ الأنفال : 32 ] .وقال ابن زيد وغيره : ( سأل سائل بعذاب واقع ) أي : واد في جهنم ، يسيل يوم القيامة بالعذاب . وهذا القول ضعيف ، بعيد عن المراد . والصحيح الأول لدلالة السياق عليه .

لِّلْكَٰفِرِينَ لَيْسَ لَهُۥ دَافِعٌۭ ﴿2﴾

التفسير:

وقوله : ( واقع للكافرين ) أي : مرصد معد للكافرين .وقال ابن عباس : ( واقع ) جاء ) ليس له دافع ) أي : لا دافع له إذا أراد الله كونه ; ولهذا قال

مِّنَ ٱللَّهِ ذِى ٱلْمَعَارِجِ ﴿3﴾

التفسير:

(من الله ذي المعارج ) قال الثوري ، عن الأعمش عن رجل ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : ( ذي المعارج ) قال : ذو الدرجات .وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( ذي المعارج ) يعني : العلو والفواضل .وقال مجاهد : ( ذي المعارج ) معارج السماء . وقال قتادة : ذي الفواضل والنعم .

تَعْرُجُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍۢ كَانَ مِقْدَارُهُۥ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍۢ ﴿4﴾

التفسير:

وقوله : ( تعرج الملائكة والروح إليه ) قال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة : ( تعرج ) تصعد .وأما الروح ، فقال أبو صالح : هم خلق من خلق الله . يشبهون الناس ، وليسوا أناسا .قلت : ويحتمل أن يكون المراد به جبريل ، ويكون من باب عطف الخاص على العام . ويحتمل أن يكون اسم جنس لأرواح بني آدم ، فإنها إذا قبضت يصعد بها إلى السماء ، كما دل عليه حديث البراء . وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث المنهال ، عن زاذان ، عن البراء مرفوعا - الحديث بطوله في قبض الروح الطيبة - قال فيه : " فلا يزال يصعد بها من سماء إلى سماء حتى ينتهى بها إلى السماء السابعة " . والله أعلم بصحته ، فقد تكلم في بعض رواته ، ولكنه مشهور ، وله شاهد في حديث أبي هريرة‌ فيما تقدم من رواية الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه من طريق ابن أبي ذئب ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن سعيد بن يسار عنه ، وهذا إسناد رجاله على شرط الجماعة ، وقد بسطنا لفظه عند قوله تعالى : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ) [ إبراهيم : 27 ] .وقوله : ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) فيه أربعة أقوال :أحدهما : أن المراد بذلك مسافة ما بين العرش العظيم إلى أسفل السافلين ، وهو قرار الأرض السابعة ، وذلك مسيرة خمسين ألف سنة ، هذا ارتفاع العرش عن المركز الذي في وسط الأرض السابعة . وذلك اتساع العرش من قطر إلى قطر مسيرة خمسين ألف سنة ، وأنه من ياقوتة حمراء ، كما ذكره ابن أبي شيبة في كتاب صفة العرش . وقد قال ابن أبي حاتم عند هذه الآية :حدثنا أحمد بن سلمة ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا حكام ، عن عمر بن معروف ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قوله : ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) قال : منتهى أمره من أسفل الأرضين إلى منتهى أمره من فوق السماوات مقدار خمسين ألف سنة ، ويوم كان مقداره ألف سنة : يعني بذلك : تنزل الأمر من السماء إلى الأرض ، ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد فذلك مقداره ألف سنة ; لأن ما بين السماء والأرض مقدار مسيرة خمسمائة سنة .وقد رواه ابن جرير ، عن ابن حميد ، عن حكام بن سلم ، عن عمر بن معروف ، عن ليث ، عن مجاهد قوله ، لم يذكر ابن عباس .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطنافسي ، حدثنا إسحاق بن منصور ، حدثنا نوح المؤدب ، عن عبد الوهاب بن مجاهد ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : غلظ كل أرض خمسمائة عام ، وبين كل أرض إلى أرض خمسمائة عام ، فذلك سبعة آلاف عام . وغلظ كل سماء خمسمائة عام ، وبين السماء إلى السماء خمسمائة عام ، فذلك أربعة عشر ألف عام ، وبين السماء السابعة وبين العرش مسيرة ستة وثلاثين ألف عام ، فذلك قوله : ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )القول الثاني : أن المراد بذلك مدة بقاء الدنيا منذ خلق الله هذا العالم إلى قيام الساعة ، قال ابن أبي حاتم :حدثنا أبو زرعة ، أخبرنا إبراهيم بن موسى ، أخبرنا ابن أبي زائدة ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) قال : الدنيا عمرها خمسون ألف سنة . وذلك عمرها يوم سماها الله تعالى يوم ، ( تعرج الملائكة والروح إليه في يوم ) قال : اليوم : الدنيا .وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد - وعن الحكم بن أبان ، عن عكرمة : ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) قال : الدنيا من أولها إلى آخرها مقدار خمسين ألف سنة ، لا يدري أحد كم مضى ، ولا كم بقي إلا الله ، عز وجل .القول الثالث : أنه اليوم الفاصل بين الدنيا والآخرة ، وهو قول غريب جدا . قال ابن أبي حاتم :حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا بهلول بن المورق ، حدثنا موسى بن عبيدة أخبرني محمد بن كعب : ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) قال : هو يوم الفصل بين الدنيا والآخرة .القول الرابع : أن المراد بذلك يوم القيامة ، قال ابن أبي حاتم :حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) قال : يوم القيامة . هذا وإسناده صحيح . ورواه الثوري ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) يوم القيامة . وكذا قال الضحاك وابن زيد .وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) قال : فهذا يوم القيامة ، جعله الله تعالى على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة .وقد وردت أحاديث في معنى ذلك ، قال الإمام أحمد :حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد قال : قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) ما أطول هذا اليوم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا " .ورواه ابن جرير ، عن يونس ، عن ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن دراج به ، إلا أن دراجا وشيخه ضعيفان ، والله أعلم .وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن قتادة عن أبي عمرو الغداني قال : كنت عند أبي هريرة‌ فمر رجل من بني عامر بن صعصعة فقيل له : هذا أكثر عامري مالا ، فقال أبو هريرة‌ : ردوه فقال : نبئت أنك ذو مال كثير ؟ فقال العامري : إي والله ، إن لي لمائة حمرا ومائة أدما ، حتى عد من ألوان الإبل ، وأفنان الرقيق ، ورباط الخيل ، فقال أبو هريرة‌ : إياك وأخفاف الإبل وأظلاف النعم - يردد ذلك عليه ، حتى جعل لون العامري يتغير - فقال : ما ذاك يا أبا هريرة ؟ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من كانت له إبل لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها - قلنا : يا رسول الله : ما نجدتها ورسلها ؟ قال : " في عسرها ويسرها - " فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأكثره وأسمنه وآشره ، حتى يبطح لها بقاع قرقر ، فتطؤه بأخفافها ، فإذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله ، وإذا كانت له بقر لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها ، فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأكثره وأسمنه وآشره ، حتى يبطح لها بقاع قرقر ، فتطؤه كل ذات ظلف بظلفها ، وتنطحه كل ذات قرن بقرنها ، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله . وإذا كانت له غنم لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها ، فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأسمنه وآشره ، حتى يبطح لها بقاع قرقر ، فتطؤه كل ذات ظلف بظلفها وتنطحه كل ذات قرن بقرنها ، ليس فيها عقصاء ولا عضباء ، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين الناس ، فيرى سبيله " . قال العامري : وما حق الإبل يا أبا هريرة ؟ قال : أن تعطي الكريمة ، وتمنح الغزيرة ، وتفقر الظهر ، وتسقي اللبن وتطرق الفحل .وقد رواه أبو داود من حديث شعبة والنسائي من حديث سعيد بن أبي عروبة كلاهما عن قتادة به .طريق أخرى لهذا الحديث : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو كامل ، عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه ، عن أبي هريرة‌ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلا جعل صفائح يحمى عليها في نار جهنم ، فتكوى بها جبهته وجنبه وظهره ، حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار " . وذكر بقية الحديث في الغنم والإبل كما تقدم ، وفيه : " الخيل لثلاثة ; لرجل أجر ، ولرجل ستر ، وعلى رجل وزر " إلى آخره .ورواه مسلم في صحيحه بتمامه منفردا به دون البخاري من حديث سهيل عن أبيه ، عن أبي هريرة‌ وموضع استقصاء طرقه وألفاظه في كتاب الزكاة في " الأحكام " ، والغرض من إيراده هاهنا قوله : " حتى يحكم الله بين عباده ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة " .وقد روى ابن جرير ، عن يعقوب ، عن ابن علية وعبد الوهاب ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة قال : سأل رجل ابن عباس عن قوله : ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) قال : فاتهمه ، فقيل له فيه ، فقال : ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ؟ فقال : إنما سألتك لتحدثني . قال : هما يومان ذكرهما الله ، الله أعلم بهما ، وأكره أن أقول في كتاب الله بما لا أعلم .

فَٱصْبِرْ صَبْرًۭا جَمِيلًا ﴿5﴾

التفسير:

وقوله : ( فاصبر صبرا جميلا ) أي : اصبر يا محمد على تكذيب قومك لك ، واستعجالهم العذاب استبعادا لوقوعه ، كقوله : ( يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ) [ الشورى : 18 ]

إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُۥ بَعِيدًۭا ﴿6﴾

التفسير:

قال : ( إنهم يرونه بعيدا ) أي : وقوع العذاب وقيام الساعة يراه الكفرة بعيد الوقوع ، بمعنى مستحيل الوقوع

وَنَرَىٰهُ قَرِيبًۭا ﴿7﴾

التفسير:

( ونراه قريبا ) أي : المؤمنون يعتقدون كونه قريبا ، وإن كان له أمد لا يعلمه إلا الله ، عز وجل ، لكن كل ما هو آت فهو قريب وواقع لا محالة .

يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ ﴿8﴾

التفسير:

يقول تعالى : العذاب واقع بالكافرين ( يوم تكون السماء كالمهل ) قال ابن عباس ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير وعكرمة والسدي وغير واحد ، كدردي الزيت

وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ﴿9﴾

التفسير:

( وتكون الجبال كالعهن ) أي : كالصوف المنفوش ، قاله مجاهد وقتادة والسدي . وهذه الآية كقوله تعالى : ( وتكون الجبال كالعهن المنفوش ) [ القارعة : 5 ] .

وَلَا يَسْـَٔلُ حَمِيمٌ حَمِيمًۭا ﴿10﴾

التفسير:

وقوله : ( ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم ) أي : لا يسأل القريب عن حاله ، وهو يراه في أسوأ الأحوال ، فتشغله نفسه عن غيره .قال العوفي ، عن ابن عباس : يعرف بعضهم بعضا ، ويتعارفون بينهم ، ثم يفر بعضهم من بعض بعد ذلك ، يقول : ( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه )وهذه الآية الكريمة كقوله : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق ) [ لقمان : 33 ] . وكقوله : ( وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى ) [ فاطر : 18 ] . وكقوله : ( فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) [ المؤمنون : 101 ] . وكقوله : ( يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) [ عبس : 34 - 37 ] .

يُبَصَّرُونَهُمْ ۚ يَوَدُّ ٱلْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِى مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍۭ بِبَنِيهِ ﴿11﴾

التفسير:

وقوله : ( يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه كلا ) أي : لا يقبل منه فداء ولو جاء بأهل الأرض ، وبأعز ما يجده من المال ، ولو بملء الأرض ذهبا ، أو من ولده الذي كان في الدنيا حشاشة كبده ، يود يوم القيامة إذا رأى الأهوال أن يفتدي من عذاب الله به ، ولا يقبل منه .

وَصَٰحِبَتِهِۦ وَأَخِيهِ ﴿12﴾

التفسير:

وقوله : ( يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه كلا ) أي : لا يقبل منه فداء ولو جاء بأهل الأرض ، وبأعز ما يجده من المال ، ولو بملء الأرض ذهبا ، أو من ولده الذي كان في الدنيا حشاشة كبده ، يود يوم القيامة إذا رأى الأهوال أن يفتدي من عذاب الله به ، ولا يقبل منه .

وَفَصِيلَتِهِ ٱلَّتِى تُـْٔوِيهِ ﴿13﴾

التفسير:

قال مجاهد والسدي : ( فصيلته ) قبيلته وعشيرته . وقال عكرمة : فخذه الذي هو منهم . وقال أشهب ، عن مالك : ( فصيلته ) أمه .

وَمَن فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًۭا ثُمَّ يُنجِيهِ ﴿14﴾

التفسير:

وقوله : ( يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه كلا ) أي : لا يقبل منه فداء ولو جاء بأهل الأرض ، وبأعز ما يجده من المال ، ولو بملء الأرض ذهبا ، أو من ولده الذي كان في الدنيا حشاشة كبده ، يود يوم القيامة إذا رأى الأهوال أن يفتدي من عذاب الله به ، ولا يقبل منه .

كَلَّآ ۖ إِنَّهَا لَظَىٰ ﴿15﴾

التفسير:

وقوله : ( إنها لظى ) يصف النار وشدة حرها

نَزَّاعَةًۭ لِّلشَّوَىٰ ﴿16﴾

التفسير:

نزاعة للشوى ) قال ابن عباس ومجاهد : جلدة الرأس . وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( نزاعة للشوى ) الجلود والهام . وقال مجاهد : ما دون العظم من اللحم . وقال سعيد بن جبير : العصب ، والعقب . وقال أبو صالح : ( نزاعة للشوى ) يعني : أطراف اليدين والرجلين . وقال أيضا : نزاعة لحم الساقين . وقال الحسن البصري وثابت البناني : ( نزاعة للشوى ) أي : مكارم وجهه . وقال الحسن أيضا : تحرق كل شيء فيه ، ويبقى فؤاده يصيح . وقال قتادة : ( نزاعة للشوى ) أي : نزاعة لهامته ومكارم وجهه وخلقه وأطرافه . وقال الضحاك : تبري اللحم والجلد عن العظم ، حتى لا تترك منه شيئا . وقال ابن زيد : الشوى : الآراب العظام ، فقوله : نزاعة ، قال : تقطع عظامهم ، ثم يجدد خلقهم وتبدل جلودهم .

تَدْعُوا۟ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ ﴿17﴾

التفسير:

وقوله : ( تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى ) أي : تدعو النار إليها أبناءها الذين خلقهم الله لها ، وقدر لهم أنهم في الدار الدنيا يعملون عملها ، فتدعوهم يوم القيامة بلسان طلق ذلق ، ثم تلتقطهم من بين أهل المحشر كما يلتقط الطير الحب . وذلك أنهم - كما قال الله ، عز وجل - كانوا ممن ) أدبر وتولى ) أي : كذب بقلبه ، وترك العمل بجوارحه )

وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰٓ ﴿18﴾

التفسير:

(وجمع فأوعى ) أي : جمع المال بعضه على بعض فأوعاه ، أي : أوكاه ومنع حق الله منه من الواجب عليه في النفقات ومن إخراج الزكاة . وقد ورد في الحديث : " ولا توعي فيوعي الله عليك " وكان عبد الله بن عكيم لا يربط له كيسا ويقول : سمعت الله يقول : ( وجمع فأوعى )وقال الحسن البصري : يا ابن آدم سمعت وعيد الله ثم أوعيت الدنيا .وقال قتادة في قوله : ( وجمع فأوعى ) قال : كان جموعا قموما للخبيث .

۞ إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴿19﴾

التفسير:

يقول تعالى مخبرا عن الإنسان وما هو مجبول عليه من الأخلاق الدنيئة : ( إن الإنسان خلق هلوعا )

إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعًۭا ﴿20﴾

التفسير:

ثم فسره بقوله : ( إذا مسه الشر جزوعا ) أي : إذا أصابه الضر فزع وجزع وانخلع قلبه من شدة الرعب ، وأيس أن يحصل له بعد ذلك خير .

وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعًا ﴿21﴾

التفسير:

( وإذا مسه الخير منوعا ) أي : إذا حصلت له نعمة من الله بخل بها على غيره ، ومنع حق الله فيها .وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا موسى بن علي بن رباح : سمعت أبي يحدث عن عبد العزيز بن مروان بن الحكم قال : سمعت أبا هريرة‌ يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " شر ما في رجل شح هالع ، وجبن خالع " .ورواه أبو داود ، عن عبد الله بن الجراح ، عن أبي عبد الرحمن المقري به ، وليس لعبد العزيز عنده سواه .

إِلَّا ٱلْمُصَلِّينَ ﴿22﴾

التفسير:

ثم قال : ( إلا المصلين ) أي : الإنسان من حيث هو متصف بصفات الذم إلا من عصمه الله ووفقه ، وهداه إلى الخير ويسر له أسبابه ، وهم المصلون

ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَآئِمُونَ ﴿23﴾

التفسير:

( الذين هم على صلاتهم دائمون ) قيل : معناه يحافظون على أوقاتهم وواجباتهم . قاله ابن مسعود ومسروق وإبراهيم النخعي .وقيل : المراد بالدوام هاهنا السكون والخشوع ، كقوله : ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ) [ المؤمنون : 1 ، 2 ] . قاله عتبة بن عامر . ومنه الماء الدائم ، أي : الساكن الراكد .وقيل : المراد بذلك الذين إذا عملوا عملا داوموا عليه وأثبتوه ، كما جاء في الصحيح عن عائشة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل " . وفي لفظ : " ما داوم عليه صاحبه " ، قالت : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملا داوم عليه . وفي لفظ : أثبته .وقال قتادة في قوله : ( الذين هم على صلاتهم دائمون ) ذكر لنا أن دانيال عليه السلام ، نعت أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقال : يصلون صلاة لو صلاها قوم نوح ما غرقوا ، أو قوم عاد ما أرسلت عليهم الريح العقيم ، أو ثمود ما أخذتهم الصيحة ، فعليكم بالصلاة فإنها خلق للمؤمنين حسن .

وَٱلَّذِينَ فِىٓ أَمْوَٰلِهِمْ حَقٌّۭ مَّعْلُومٌۭ ﴿24﴾

التفسير:

وقوله : ( والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ) أي : في أموالهم نصيب مقرر لذوي الحاجات . وقد تقدم الكلام على ذلك في " سورة الذاريات " .

لِّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ ﴿25﴾

التفسير:

وقوله : ( والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ) أي : في أموالهم نصيب مقرر لذوي الحاجات . وقد تقدم الكلام على ذلك في " سورة الذاريات " .

وَٱلَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ ﴿26﴾

التفسير:

وقوله : ( والذين يصدقون بيوم الدين ) أي : يوقنون بالمعاد والحساب والجزاء ، فهم يعملون عمل من يرجو الثواب ويخاف العقاب

وَٱلَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ ﴿27﴾

التفسير:

ولهذا قال : ( والذين هم من عذاب ربهم مشفقون ) أي : خائفون وجلون

إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍۢ ﴿28﴾

التفسير:

( إن عذاب ربهم غير مأمون ) أي : لا يأمنه أحد ممن عقل عن الله أمره إلا بأمان من الله تبارك وتعالى .

وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَٰفِظُونَ ﴿29﴾

التفسير:

وقوله : ( والذين هم لفروجهم حافظون ) أي : يكفونها عن الحرام ويمنعونها أن توضع في غير ما أذن الله [ فيه ] ولهذا قال :

إِلَّا عَلَىٰٓ أَزْوَٰجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴿30﴾

التفسير:

( إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ) أي : من الإماء ، ( فإنهم غير ملومين)

فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ ﴿31﴾

التفسير:

وقد تقدم تفسير ذلك في أول سورة ( قد أفلح المؤمنون ) بما أغنى عني إعادته ها هنا .

وَٱلَّذِينَ هُمْ لِأَمَٰنَٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَٰعُونَ ﴿32﴾

التفسير:

وقوله : ( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ) أي : إذا اؤتمنوا لم يخونوا ، وإذا عاهدوا لم يغدروا . وهذه صفات المؤمنين ، وضدها صفات المنافقين ، كما ورد في الحديث الصحيح : " آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان " . وفي رواية : " إذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر " .

وَٱلَّذِينَ هُم بِشَهَٰدَٰتِهِمْ قَآئِمُونَ ﴿33﴾

التفسير:

وقوله : ( والذين هم بشهاداتهم قائمون ) أي : محافظون عليها لا يزيدون فيها ، ولا ينقصون منها ، ولا يكتمونها ، ( ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ) [ البقرة : 283 ] .

وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴿34﴾

التفسير:

م قال : ( والذين هم على صلاتهم يحافظون ) أي : على مواقيتها وأركانها وواجباتها ومستحباتها ، فافتتح الكلام بذكر الصلاة واختتمه بذكرها ، فدل على الاعتناء بها والتنويه بشرفها ، كما تقدم في أول سورة : ( قد أفلح المؤمنون ) ; سواء لهذا قال هناك : ( أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) [ المؤمنون : 10 ، 11 ] وقال هاهنا :

أُو۟لَٰٓئِكَ فِى جَنَّٰتٍۢ مُّكْرَمُونَ ﴿35﴾

التفسير:

( أولئك في جنات مكرمون ) أي : مكرمون بأنواع الملاذ والمسار .

فَمَالِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ﴿36﴾

التفسير:

يقول تعالى منكرا على الكفار الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهم مشاهدون له ، ولما أرسله الله به من الهدى وما أيده الله به من المعجزات الباهرات ، ثم هم مع هذا كله فارون منه ، متفرقون عنه ، شاردون يمينا وشمالا فرقا فرقا ، وشيعا شيعا ، كما قال تعالى : ( فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة ) [ المدثر : 49 ، 51 ] الآية ، وهذه مثلها ; فإنه قال تعالى : ( فمال الذين كفروا قبلك مهطعين ) أي : فما لهؤلاء الكفار الذين عندك يا محمد ) مهطعين ) أي مسرعين نافرين منك ، كما قال الحسن البصري : ( مهطعين ) أي : منطلقين

عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ ﴿37﴾

التفسير:

( عن اليمين وعن الشمال عزين ) واحدها عزة ، أي : متفرقين . وهو حال من مهطعين ، أي : في حال تفرقهم واختلافهم ، كما قال الإمام أحمد في أهل الأهواء : فهم مخالفون للكتاب ، مختلفون في الكتاب ، متفقون على مخالفة الكتاب .وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( فمال الذين كفروا قبلك مهطعين ) قال : قبلك ينظرون ، ( عن اليمين وعن الشمال عزين ) قال : العزين : العصب من الناس ، عن يمين وشمال معرضين يستهزئون به .وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار . حدثنا أبو عامر ، حدثنا قرة ، عن الحسن في قوله : ( عن اليمين وعن الشمال عزين ) متفرقين ، يأخذون يمينا وشمالا يقولون : ما قال هذا الرجل ؟وقال قتادة : ( مهطعين ) عامدين ، ( عن اليمين وعن الشمال عزين ) أي : فرقا حول النبي صلى الله عليه وسلم لا يرغبون في كتاب الله ، ولا في نبيه صلى الله عليه وسلم .وقال الثوري ، وشعبة ، وعيسى بن يونس ، وعبثر بن القاسم ، ومحمد بن فضيل ، ووكيع ، ويحيى القطان ، وأبو معاوية ، كلهم عن الأعمش ، عن المسيب بن رافع ، عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم حلق ، فقال : " ما لي أراكم عزين؟ "رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن جرير من حديث الأعمش بهوقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا مؤمل ، حدثنا سفيان ، عن عبد الملك بن عمير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة‌ رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم حلق حلق ، فقال : " ما لي أراكم عزين؟ " .وهذا إسناد جيد ، ولم أره في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه .

أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِئٍۢ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍۢ ﴿38﴾

التفسير:

وقوله : ( أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم ) أي : أيطمع هؤلاء - والحالة هذه - من فرارهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم ونفارهم عن الحق - أن يدخلوا جنات النعيم ؟ كلا بل مأواهم الجحيم .

كَلَّآ ۖ إِنَّا خَلَقْنَٰهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ ﴿39﴾

التفسير:

ثم قال تعالى مقررا لوقوع المعاد والعذاب بهم الذي أنكروا كونه واستبعدوا وجوده ، مستدلا عليهم بالبداءة التي الإعادة أهون منها وهم معترفون بها ، فقال ( إنا خلقناهم مما يعلمون ) أي : من المني الضعيف ، كما قال : ( ألم نخلقكم من ماء مهين ) [ المرسلات : 20 ] . وقال : ( فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر ) [ الطارق : 5 - 10 ] .

فَلَآ أُقْسِمُ بِرَبِّ ٱلْمَشَٰرِقِ وَٱلْمَغَٰرِبِ إِنَّا لَقَٰدِرُونَ ﴿40﴾

التفسير:

ثم قال : ( فلا أقسم برب المشارق والمغارب ) أي : الذي خلق السماوات والأرض ، وجعل مشرقا ومغربا ، وسخر الكواكب تبدو من مشارقها وتغيب في مغاربها . وتقدير الكلام : ليس الأمر كما يزعمون أن لا معاد ولا حساب ، ولا بعث ولا نشور ، بل كل ذلك واقع وكائن لا محالة . ولهذا أتى ب " لا " في ابتداء القسم ليدل على أن المقسم عليه نفي ، وهو مضمون الكلام ، وهو الرد على زعمهم الفاسد في نفي يوم القيامة ، وقد شاهدوا من عظيم قدرة الله تعالى ما هو أبلغ من إقامة القيامة ، وهو خلق السماوات والأرض ، وتسخير ما فيهما من المخلوقات من الحيوانات والجمادات ، وسائر صنوف الموجودات ; ولهذا قال تعالى : ( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ) [ غافر : 57 ] وقال تعالى : ( أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ) [ الأحقاف : 33 ] . وقال تعالى في الآية الأخرى : ( أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) [ يس : 81 ، 82 ] . وقال هاهنا : ( فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون )

عَلَىٰٓ أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًۭا مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ﴿41﴾

التفسير:

(على أن نبدل خيرا منهم ) أي : يوم القيامة نعيدهم بأبدان خير من هذه ، فإن قدرته صالحة لذلك ، ( وما نحن بمسبوقين ) أي : بعاجزين . كما قال تعالى : ( أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه ) [ القيامة : 3 ، 4 ] . وقال تعالى : ( نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون ) [ الواقعة : 6 ، 61 ] .واختار ابن جرير ( على أن نبدل خيرا منهم ) أي : أمة تطيعنا ولا تعصينا وجعلها ، كقوله : ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) [ محمد : 38 ] . والمعنى الأول أظهر لدلالة الآيات الأخر عليه ، والله أعلم .

فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا۟ وَيَلْعَبُوا۟ حَتَّىٰ يُلَٰقُوا۟ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِى يُوعَدُونَ ﴿42﴾

التفسير:

ثم قال تعالى : ( فذرهم ) أي : يا محمد ) يخوضوا ويلعبوا ) أي : دعهم في تكذيبهم وكفرهم وعنادهم ، ( حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ) أي : فسيعلمون غب ذلك ويذوقون وباله

يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلْأَجْدَاثِ سِرَاعًۭا كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍۢ يُوفِضُونَ ﴿43﴾

التفسير:

( يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون ) أي : يقومون من القبور إذا دعاهم الرب ، تبارك وتعالى ، لموقف الحساب ، ينهضون سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون .قال ابن عباس ومجاهد والضحاك : إلى علم يسعون . وقال أبو العالية ويحيى بن أبي كثير : إلى غاية يسعون إليها .وقد قرأ الجمهور : " نصب " بفتح النون وإسكان الصاد ، وهو مصدر بمعنى المنصوب . وقرأ الحسن البصري : ( نصب ) بضم النون والصاد ، وهو الصنم ، أي : كأنهم في إسراعهم إلى الموقف كما كانوا في الدنيا يهرولون إلى النصب إذا عاينوه يوفضون ، يبتدرون ، أيهم يستلمه أول ، وهذا مروي عن مجاهد ، ويحيى بن أبي كثير ، ومسلم البطين ، وقتادة ، والضحاك ، والربيع بن أنس ، وأبي صالح ، وعاصم بن بهدلة ، وابن زيد وغيرهم .

خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌۭ ۚ ذَٰلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِى كَانُوا۟ يُوعَدُونَ ﴿44﴾

التفسير:

وقوله : ( خاشعة أبصارهم ) أي : خاضعة ) ترهقهم ذلة ) أي : في مقابلة ما استكبروا في الدنيا عن الطاعة ، ( ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون )آخر تفسير سورة " سأل سائل " ولله الحمد والمنة .

مشغل القرآن
لا يوجد سورة محددة

-

00:00 / 00:00
إحصائيات المنتدى
عدد المواضيع في المنتدى 1,424
عدد المشاركات في المنتدى 0
عدد الاعضاء في الموقع 9
المستخدمين المتصلين 0
آخر عضو مسجل Richard Edward
الأعضاء المتصلون
المجموع: 0 عضو متصل